«الجزيرة» - فن
يحتفل هذه الأيام الفنان أبو بكر سالم بلفقيه باكتمال خمسين عاماً على دخوله الفن كمغن وملحن وكاتب ومنتج أيضاً. ويجسد أبو بكر سالم الأكبر سناً في فناني الخليج هذا الاحتفال أو يدشنه بحلقة تستضيفه فيها الزميلة جومانة بوعيد عبر برنامجها الأسبوعي (كلمة فصل) الذي يستعرض مع الضيف فصول حياته بين ربيعها وخريفها وشتائها وصيفها.
ومن مفارقات الحلقة ستكون هناك مداخلة من لندن للإعلامي السعودي الشهير عثمان العمير ناشر إيلاف ورئيس تحرير الشرق الأوسط الأسبق الذي سيلقي كلمة ويتحدث عن أبو بكر الفنان. هذه المداخلة تأتي بناء على توصية من أبو بكر سالم الذي كان العمير أول صحفي يجري معه حواراً في صحيفة (الجزيرة).
ويعرف عن أبو بكر سالم علاقاته (الممتازة) بجميع فناني الوطن العربي وعلاقته القوية بهم، وهو لم يدخل في أي صراع مع أي فنان وله منتدى ثقافي فني حيث يلتقي بالمثقفين خلاله في الرياض أو القاهرة ويعمل على مساعدة كل فنان يطلب منه المشورة.
جاء هذا الاحتفال الأول من نوعه احتفاء بشخصية أضاءت سماء الفن منذ خمسين عاماً بعطاء مستمر، في لقاء استثنائي عبر برنامج (كلمة فصل) مع جومانا بوعيد على روتانا.
عاد أبو بكر سالم بلفقيه إلى بيروت محملاً بذهب الأيام مردداً أصداء الماضي التي قد لا تعرف كل فصولها، لكنها منسوجة في الذاكرة لحناً وقريحة يسقي بها أرض الفن العربي.
نجحت جومانا بوعيد في استضافة هذا الكبير في مسرحها (كلمة فصل)، قاطفة بوح شخصية أبت الكلام لأكثر من 15 عاماً، ليكون الضيف الذي يستحق الكلمة، (كلمة الفصل).
والغوص في يمه لم يكن يسيراً، فجومانا حضرت عدتها للغوص وللاستقصاء عن سيد البحور الشعرية، ومؤلف النغم ومنشد الأناشيد.
بدأ الحوار عن مشواره من لبنان قبل أكثر من خمسين عاماً من أستوديو بعلبك ومن أمام صخرة الروشة حيث كان يقطن ليعاشر كبار تلك المرحلة في الستينيات جورج شلهوب وعبود عبدالعال ووديع الصافي وسواهم ممن أسسوا لمرحلة الفن الواعد، ملحناً لأصوات مرت وبقيت فدوى عبيد هيام يونس نجاح سلام ووردة وسواهم.
وبدأ فصل الصيف في (كلمة فصل) من تريم مسقط رأس أبو أصيل في اليمن، أرض المساجد والخشوع والعلم، حيث فيها بدأ بحفظ الرشفات والقوافي، منطلقاً للتجديد في الأغنية الحضرمية -نسبة لحضرموت- فيجدد في القديم، ويحمل التراث في أصوات الأمس والحاضر عبدالله الرويشد وعبدالمجيد عبد الله وأنغام وسواهم، وكان من يحظى منهم بلحن منه يرتقى إلى مرحلة الفن الأصيل.
ليس بالضرورة أن يدخل الحوار مع بلفقيه في أسئلة تثير غبار التساؤلات فالضيف بحد ذاته (سكووب) وكل ما يقوله يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فهو وإن بارك لراغب علامة أغنيته الجديدة (سرّ حبي) بإمضاء من المحضار الصديق الراحل والأقرب لأبي بكر سالم، لكنه عتب على عدم الاستشارة والأغنية تعتبر من خاصته.
الخريف شاءته جومانا، رحلة النضج والترحال من اليمن نحو أرض المملكة، حيث أسس فيها أبو بكر سالم اسمه الذي يتكأ على السبعين، من العطاء الفني في الغناء والموسيقى، متوغلاً في عمق الثقافة الصوفية ليبني مع أصدقاء الدرب: طلاح مداح، ومحمد عبده، وطارق عبدالحكيم وكل تلك البوتقة التي صنعت الأغنية الخليجية، وبات صداها مسموعاً في كل الأرجاء.
لا يحكي أبو بكر كلاماً عادياً، بل يطوع الكلمات لأبيات شعرية، ومآثر تحكي أفكاره بلغة راقية، ولهجة عصية يفهمها أصحاب القلوب والعقول، فهو وإن غص لأنه لم يشارك في مهرجان الجنادرية، لكنه لم يتأفف، وأطلق غصته بحة من قوافي تحمل المعاني الكثيرة، لاسيما وأنه لا يعترف سوى بهوية الحب والانتماء والعطاء.
من على كرسيه غنى، وامتلك أمسية الخميس نغماً: (قللي متى شوفك)، (يا مروح بلادك)، (يا مسافر). وبقيت تلك الصبية ترقص وتترنح طرباً في كواليس (كلمة فصل) قبل أن تقفل ستارة الخريف غيومها.
جومانا التي أدركت كبر هامة الضيف، وأن ساعتين من الزمن لا يمكن أن تختصر فيها مساحة عطاء طويلة، أفردت لأبي بكر سالم حلقتين كل حلقة تضم فصلين، الأسبوع الأول صيف وخريف، والأسبوع الثاني، شتاء وربيع.
لتنهي الحلقة الأولى بسؤال يحمل من الذكاء ما جعل أبو بكر يتفاعل مع سؤالها بطريقة غريبة مندهشاً لسر السؤال عن حالته الفنية الغريبة عندما يكتب ويلحن وهو في عمق نومه، وكأنها تشير إلى حالة معينة لا يعرفها أحد عن أبي بكر وقد تصدم الكثيرين، أبو بكر تنصل من الإجابة المباشرة ملمحاً إلى موضوع قد يفهمه البعض وقد يتحرى عنه البعض الآخر. ترى هل تكشف الحلقة القادمة هذا السر الكبير وأسرار كثيرة غيره!
لا شك أن الجزء الأول تضمن العديد من المواضيع المثيرة للجدل، والأسرار الخفية ومواقف لافتة لأبي بكر، شهد هذا الجزء لقاء العمالقة، زيارة خاطفة قام بها أبو بكر لكبير لبنان وديع الصافي في منزله وواكبت هذه الزيارة كاميرا البرنامج لتنقل هذه اللحظات التاريخية والتي أظهرت محبة واحترام كبيرين كبير من الخليج لكبير من لبنان.
شمل الحوار بفصله الأول أهمية الأغنية اليمنية وجميلها على الأغنية الخليجية، وكشفت جومانا عن القوافي والرشافات التي سجلها أبو بكر بصوته وتركها ضمن أدراجه بعيدا عن الأضواء.
لتنتقل إلى الفصل الثاني والذي كشف من خلاله أبو بكر أسرارا كثيرة فكان السؤال الجريء عن موقع السعودية واليمن في حياة أبي بكر وحرمانه من الغناء في مهرجانات المملكة الوطنية وعندما حاول أن يتنصل من السؤال المحرج عن هدر حقوقه أصرت جومانا على الكشف عن الخبايا فأجبره ذلك الإصرار على البوح فوجه رسالة شعرية يعاتب فيها.
أبو بكر كان مرتاحا في حواره وعميقاً في أفكاره وخفيف الظل في تبادله الحديث وكانت جومانا مواكبة له في كل المحطات والمواقف، انسجام الحوار انعكس إيجابيا على جو الحلقة ككل، فغنى وسلطن وأطرب الجمهور الذي كان يتفاعل مع كل آه يطلقها بصوته الشجي.
شهادات عديدة قام بها البرنامج كلها من كبار الشخصيات التي عاصرت أبو بكر من اليمن، مصر، السعودية، لبنان، الكويت وغيرها جزء أول يجذبنا لمتابعة الجزء الثاني نهاية الأسبوع القادم عندما بكى أبو بكر فأبكى معه الحضور وجومانا وأفراد الفرقة الموسيقية.
حين جاء على ذكر وفاة الشاعر حسين المحضار ولحظة دفنه له.