قد يغترب الشعراء (الصعاليك) في أوطانهم الحديثة وقد يصبحون أناساً هامشيين في المدائن الحديثة النابذة، وقد يتغنون بمفاتن الوطن كعاشق أنكرته الحبيبة بعد عشق مكين، وقد يشتمون الحبيبة ولكن ضمائرهم تأبى بأن يشتمون الوطن. وذلك لأن الوطن في أرواح الشعراء هو الملجأ الأخير حينما يخونهم الأهل والناس والأصدقاء لذلك يلقون بأنفسهم إلى حضنه (الدفيء) لكي يشعروا بدفء الأمومة وحب الحبيبة، ووفاء الصديق، وعشق الأمان.
***
هكذا هي غربة الشعراء الصعاليك الوفيين للشعر والحب والأصدقاء ولكن الذي قد يراه الناس غريباً هو كيف يصبح رجلٌ كان يمتلك (الهيلمان) غريباً بهذا الوطن. رغم أنه إلى الآن يمتلك السمعة الطيبة والمحبة الفائقة النادرة؟ وهو كان بذاك الزمان العسير في السلطة العالية بل وفي أخطر الأجهزة - كوكيل لوزارة الداخلية - ولكن الشيء الغريب في هذا الأمر هو كيف استطاع وبجدارة عالية أن يظل شاعراً (حقيقياً) ووكيلاً لوزارة الداخلية في آن واحد؟!
***
تلك معادلة صعبة لم يستطع شاعر أن يحافظ عليها إلا قلة منهم وبينهم (بابلونيرودا) حينما كان سفيراً لبلاده، تلك المعادلة التي استطاع صديقنا الحميم (إبراهيم العواجي) أن يحافظ عليها منذ أن كان طالباً يخطو على مدارج الحياة وحتى أصبح دكتوراً في مرحلة كانت بلاده أحوج لأمثاله بل وبأمس الحاجة إلى العقول النبيلة النيرة.
***
كان إبراهيم العواجي (وفياً) للشعر في كل مراحل الحياة ولذلك بقي الشعر وفياً له في كل مراحل الحياة ولم لا وذلك لأنه عرف كيف يعامل هذا الكائن - القرين النزق الصفق، الوفي، ف(وفى معه) وظل وفياً معه إلى الآن حينما أصدر ديوانه الأخير والذي عنونه ب(غربة) واحتوى قصائده الرائعة النابضة مثل: ما قبل غزو المحيا، الشرق والرقاد، ثوار لو تدري، من أحاكم، لحظة انكسار، حمد الجاسر، دم الخجلى، جازان، وقصائد أخرى.
***
يبقى القول أخيراً ولكي لا أكتمكم سراً أنني أحب الدكتور إبراهيم العواجي كشخص وكشاعر وإنسان ولم يكن لي معه مصلحة شخصية سوى الحب الذي يمزج فيه هذا الثلاثي النادر في زمن الحسد والحقد والكراهية - لذلك أحب إبراهيم.