أظهرت الحقبة الزمنية الماضية والحالية التي نعيشها عدداً من النزاعات العربية حول عدد من القضايا التي يفترض أن تمس ما يقابله العالم العربي بمجمله من ضغوطات سياسية عامة تستهدف وحدة الصف العربي علناً، لكن تلك النزاعات العربية أخذت منحى آخر وهو ابتعاد العرب فيما بينهم واصطدامهم واقتتالهم ما زاد من تصدع الصف العربي ..
.. وسهل خروج آراء ومواقف انفرادية لبعض الدول التي كانت تتحين تلك النوعية من الفرص لإثبات قدرتها في الظهور، القدرة التي لم ترض أصحابها بأن تبقى ضمن وحدة الصف العربي الواحد من واقع نزعة الظهور والتفرد والاستحواذ.
كنا نتأمل من المنظومة التي تظلل الدول العربية أن تستطيع تحريك ساكن من خلال رتق ذلك الصدع ولمّ الشمل وتوحيد الصف وهو المأمول حقيقة من جامعة الدول العربية التي أثبتت فشلها الذريع حتى في حل أبسط الخلافات العربية أو حتى ثني دولة ما عن انفرادها في موقف معين وضمها لحظيرة الدول العربية التي يفترض أن يكون لها موقف واحد وصريح تعبر عنه تلك الجامعة حتى بتنا نعتقد أن إصلاح الوضع الإداري والنمطي للجامعة ضرب من ضروب الخيال.
لقد عجزت الجامعة عبر تناوب عدد من الأمناء على إدارة دفتها عن إيجاد حل لأي مشكلة عربية على مدى نصف قرن حتى علا صوت المطالبين بضرورة تصحيح أوضاع الجامعة ممن فعلاً يرجون أو يتأملون إصلاحاً ما، أما أولئك الذين أصابهم الإحباط من إمكانية تعديل مياثيق الجامعة وخصوصاً تلك المتعلقة بالبنية الأساسية لرسم إستراتيجيات علاقات الدول العربية فيما بينها ذهبوا بإحباطهم لأخذ مواقف انفرادية لا يلامون إطلاقاً عليها في ظل وجود مظلة لا تحمي أحداً من لهيب الشمس ولا من أمطار الصيف ففي كل رقعة منها هناك شق وفتق.
لا أستطيع تصور أن يأتي أمين جديد للجامعة العربية لا يحمل أجندة معينة لتحسين بنيتها الأساسية ولا تصورات معينة فيما يتعلق بتقديم أفكار وتحقيقها فيما يخص تعديل ميثاقها لينسجم مع طموحات وتطلعات الشعوب العربية، لا أستطيع حقيقية تخيل أن يأتي أمين عام جديد دون أن يحرك ساكناً سوى تكريس ضعف الجامعة وإثبات فشلها وتعليق ذلك على حكومات الدول العربية.
كان هناك عدد من المحاولات التي تتطلب الأمانة ذكرها فيما يخص محاولة بعض قادة الدول العربية إصلاح وتطوير الجامعة عبر تفعيل العمل العربي المشترك من خلال الجامعة بعد ما أصاب العالم العربي ما أصابه من نكبات وكوارث ما كان لها أن تصيبه ربما لو كانت هناك منظمة قوية تعمل على توحيد الصف العربي وتعزيز تضامن الدول عبر إستراتيجيات محددة يتم احترامها والسير من خلالها.
ولكن تظل تلك المحاولات تتمحور حول تنقية الأجواء العربية وإزالة الشوائب فيما بين الدول والعمل على تسويتها تمهيداً لتطوير وتعميق العلاقات العربية، دونما ذكر للآليات التي يجب استخدامها لتحقيق ما ذكر، ودون النظر لدور الجامعة العربية وما يمكن أن تضعه من إستراتيجيات وخطط لتفعيل ما ورد سابقاً وما يمكن أن تضطلع به كأداة رئيسة للعمل العربي المشترك، ودون النظر لتطوير مياثيق الجامعة وتطوير الغرض الأساس الذي من أجله أنشئت الجامعة، وهو توثيق الصلات والتنسيق والتعاون وصيانة الاستقلال والسيادة القطرية.
كما أن احتواء مشكلات ومنازعات الدول العربية وحلها هو أهم ما يمكن أن تلعبه الجامعة العربية وهو ما لم يتم حقيقة لا سابقاً ولا أتوقع لاحقاً والأدلة كثيرة في منازعات الدول وتفردها باتخاذ ما تراه مناسباً دون حتى إخبار الجامعة العربية فضلاً عن التنسيق معها، فنزاع اليمنين الشمالي والجنوبي وغزو الكويت من قبل العراق وحروب إفريقيا وما يحدث بلبنان لخير دليل على عدم قدرة الجامعة على احتواء المنازعات قبل استفحالها.
ماذا لو نادى البعض بضرورة إيجاد محكمة عربية على غرار المحكمة الدولية وهو أمر منطقي تمليه مصلحة تماسك ووحدة الصف العربي، لكن ألا يحق لي كمواطن عربي أن أتساءل: هل تستطيع الجامعة العربية أن تشرف على تلك المحكمة وتلزم الدول العربية بالاحتكام لها في منازعاتهم؟ وهل إن حدث ذلك، تستطيع الجامعة إلزام الدول العربية بتطبيق ما جاء في مسودة أحكام تلك المحكمة؟ ثم أين جامعة الدول العربية عن إحداث نظام للتكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وأين هي عن بناء برلمان عربي مؤثر وفاعل بيده اتخاذ قرارات صارمة وملزمة يتم احترامها من قبل جميع المنتمين للجامعة بدلاً من انتداب سفراء ممن انتهت صلاحياتهم العملية والعلمية ولم يتبق لديهم سوى الحضور وتبادل التهاني في الأعياد والمناسبات والتمتع بالحصانة الدبلوماسية وجواز السفر الدبلوماسي.
أين الجامعة من تشريع وإقرار نظام أمني قومي عربي متكامل بدلاً من ترك الأمر للدول التي يجمعها مصالح اقتصادية أو جغرافية واحدة، لماذا لا تتحرك الجامعة في سبيل طرح مشروع نظام أمني قومي يرعى مصالح وحقوق الدول المنتمية للجامعة؟
إن ما يجب فعله حقيقة هو تطوير كامل وشامل لنظام الجامعة العربية يتم احترامه من جميع أعضاء الدول المنتمية للجامعة ويقوم على تحقيق ما تصبو إليه شعوب تلك الدول بدءاً من إنشاء نظام جديد للجامعة يأخذ بالاعتبار النقاط سابقة الذكر ويراعي النواحي الأخرى المتمثلة بدعم الدول الفقيرة ومساعدتها في بناء بناها التحتية ورعاية دور العلم والاختراعات وإيجاد وتفعيل أدوات ووسائل الجامعة في البحث العلمي الكفيل بإيصال الدول العربية إلى ما وصلت إليه دول العالم الأول. كما واستبدال نص الغرض الأساس في ميثاق الجامعة إلى ضرورة توحيد التكامل والتعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والسيادي. كما والسعي نحو النجاح في إيجاد الآليات الكفيلة بتحقيق طموحات الشعوب العربية وحماية حقوقها وذلك على غرار النموذج الذي تطورت به منظمات الاتحاد الأوربي.
كما يجب أن تكون مشاركات الدول سواء في صياغة ما سبق من مياثيق وخطط ومشروعات تكاملية في المجالات السياسية والسيادية والاقتصادية والاجتماعية مشاركات فاعلة بحجم ثقل ومكانة كل دولة، وبمساهمة تلك الدول نكون قد ضمنا على الأقل حدوداً دنيا من التزامها بتطبيق ما ستخرج به إعادة صياغة المياثيق والخطط، والعمل على تفعيل تلك المشاركات من مجرد لقاءات دورية تبدأ وتنتهي دون نتائج تذكر إلى تطبيق فعلي لرغبات واحتياجات حقيقية وصادقة لتحقيق ما يطمح إليه مواطنو تلك الدول العربية المعنية والبعد عن التنظير الذي اعتاد المواطن العربي البسيط على سماعه حتى مله أو لنقل حفظه عن ظهر قلب.
عندئذ نكون قد رسمنا أولى خطوات تحقيق تكامل الصف العربي عبر إيجاد منظمة تضطلع بمسؤولياتها على النحو المنشود، تلك المسؤوليات التي يدعمها جيش من العاملين في المنظمة أو الجامعة ويدعمها أيضاً ميزانيات ضخمة لا تتوانى حسب علمي معظم الدول الأعضاء وخصوصاً الغنية منها بدفعها.
dr.aobaid@gmail.com