العبارة أعلاه هي عنوان إصدار أنيق يقع في 288 صفحة، هو ترجمة لكتاب من تأليف الفرنسي لويس كورانسيه، قام بترجمته والتعليق عليه د. محمد خير البقاعي، وشارك د. إبراهيم بن يوسف البلوي في الترجمة، وأشرفت عليه ونشرته -مشكورة- دارة الملك عبدالعزيز، في طبعته الأولى لعام 1426هـ، وإن كان تأخر صدوره إلى بداية هذا العام 1429هـ.
والمؤلف ألكسندر كورانسيه (1770- 1832م)، كان قنصل فرنسا في حلب خلال المدة من 1802 إلى 1810م. وأثناء وجوده هناك اهتم بكتابة التقارير عن تلك الدولة الناشئة، وموافاة أبناء جلدته بها، ومع أنه كان على قدر كبير من تحري الدقة إلاَّ أنه نقل إلى قومه الكثير من المعلومات غير المحققة التي ربما استقاها من مصادر غير صادقة أو من جهات معادية للدعوة.
ومع أن هذا الكتاب قد ظهر في أوروبا في حياة المؤلف، وطبع في باريس عام 1810م، فصار مصدراً لكثير من المراجع الغربية عن الدولة السعودية، إلاّ أن هذه الترجمة التي تأتي بعد مئتي سنة من نشر الكتاب بلغته الأصلية، تعد أول ترجمة عربية متكاملة ومحققة تحقيقاً علمياً.
ولهذا فإنه يحمد للدارة قيامها بالإشراف على هذا الكتاب وطباعته، كما يشكر المترجمان على ترجمته بهذا المستوى المتميز، ولعله من الإنصاف أيضاً الإشادة بجهود د. محمد البقاعي الذي قام بالتحقيق والتعليق فضلاً عن الترجمة مع زميله د. البلوي، ود. البقاعي له جهوده المشهود لها في ترجمة المؤلفات الغربية، وخصوصاً الفرنسية.
وكما جاء في مقدمة هذا الإصدار؛ فإن هذا الكتاب ظهر في فترة كانت الصورة فيها غير واضحة عن الدولة السعودية التي بدأ نجمها يلمع في الجزيرة العربية، وبدأت قوتها ترعب القوى السياسية المحيطة بها، مما مهد لرواج الإشاعات الكاذبة عن حقيقة الدعوة وتوجهاتها الدينية والسياسية، فانخدع بتلك الشائعات كثير ممن كتبوا عنها.
أقول: لكن المعلق وفق كثيراً في الرد على تلك المعلومات وتفنيدها، دون أن يغيب شيئاً من عبارات المؤلف مهما كانت حساسيتها أو بعدها عن الحقيقة.
وعلى الرغم من وجود بعض المعلومات المتحاملة على الدعوة السلفية وعلى الدولة السعودية، إلاَّ أن المؤلف كعادة الغربيين حاول أن يكون منصفاً وموضوعياً، ولذلك فإنه بشكل عام كان ينظر إلى الدعوة السلفية نظرة معتدلة؛ مقارنة بما دونه كثير من الكتّاب الغربيين، بل إنه يورد عنها عبارات منصفة مثل قوله في ص(47): (إن أساس الدعوة الوهابية هو مبادئ القرآن الكريم التي نزعوا منها المعتقدات الباطلة التي شوهتها لدى المسلمين الآخرين، إذاً ليست الوهابية مذهباً جديداً، ولكنها الإسلام في نظرته الأولى).
وقوله في ص(183): (... فالمصلح محمد بن عبدالوهاب أعاد للدين الإسلامي نقاءه الأصلي، وخلصه من الشوائب كلها).
وقوله في ص(201): (ليست دعوة محمد بن عبدالوهاب مذهباً جديداً، إنها الإسلام نفسه الذي ندب له نفسه ليعيد إليه صفاءه الفطري ....إلخ).
وختاماً؛ فإني أهيب بقراءة هذا الكتاب لأهميته، كما أود أن أثني على جهد د. البقاعي وزميله، كما أشكر الدارة على إشرافها وعلى إخراجها للكتاب بهذه الصورة المتقنة، وسيكون لنا معه وقفات أخرى تتناول بعض مضامينه، إن شاء الله.