لا أحسب أنّ التقارير والإحصاءات التي تردد نشرها والإذاعة عنها وسائل الاتصال المختلفة حول مؤثّرات الدراما التركية في المجتمع العربي مبالغ فيها... وتحديداً في الأُسر داخل دول الخليج وما حولها... هذه الأُسر التي نشأت على علاقات غير متكافئة بين الرجل والمرأة في الغالب...
إذ عرفت أنماط العلاقات بين أفراد الأُسر على نحو جعلها من المسلّمات في ظواهرها وأنساقها ...
بل في نسيجها الذي تعارف المنطق العام على إقراره... وإخضاع كل قضية لحلول تكون في صالحه...
ويكون الرجل في الموقف هو سيده... انطلاقاً من تبنِّي فهم غير دقيق عن (الولاية), (القوامة), (الرجولة), (الأولوية) ... بل بلغ الأمر في العرف المجتمعي أنّ على المرأة الخضوع والخنوع دون جدال .. وإلاّ لاحقتها (لعنات الملائكة) (وغضب الرب)... والله عادل كريم رؤوف رحيم شرع لكلِّ ما خلق ما يمنحه الكرامة ويتيح له حياة طيبة...
ولأنّه لا يوجد الوعي الدقيق بمفاهيم العلاقات وحدودها وقيودها... لم يتم اتباع الصواب ونبذ الخطأ فيها بالفصل الواعي المنبثق من شرعية الحقوق والواجبات ... والمباح والمنكر... والواجب وغير الجائز ... بما في ذلك على سبيل المثال مفهوم عقوبة الضرب أو الهجر كما وردت في سنّة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم في تفسير آيات القرآن الكريم في هذا المجال...
لذا كانت العلاقات الزوجية قائمة على كثير من الجفاء والقسوة وممارسة الحقوق بفرض الولاية من جانب القوي والإذعان لها من جانب الضعيف...
وكثيراً ما انسكبت العبرات في سجف الليل ... وأطراف النهار ...
وغالباً ما تفاجأت النفوس والعقول حين يُقدَّر للفرد أن تُعرض عليه وتحديداً المرأة أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع زوجاته رضي الله عنهن ... وفي التعبير عن محبته لعائشة رضي الله عنها... فتعقد المقارنات... وتطرح التساؤلات... ويكتشف الجميع أنّ عبء التنشئة والإيغال في سلوك هو جني العادات والأعراف... إنما فيه ما يعطل سيرورة الرفقة في الحياة بسلام وجمال... ووئام ورحمة ومودّة يدعو لها تشريع الله تعالى في العلاقات الإنسانية خاصها وعامها...
لذا حين تحلّق الناس أمام شاشات الفضائيات ... وأخذوا يبحثون بشغف في مؤشّرات البحث في الأجهزة بين أيديهم... عن مواقف الدراما التركية التي تعكس قوة العلاقات الأُسرية... وحميمية الروابط الزوجية ... وتكاتف المشاعر بين الأفراد ... والثقة المتبادلة بين الأزواج... والإخوة والجيران... إنما هو سلوك طبيعي نتاج محكات بين ما يشاهدون وبين ما يعيشون... لذا ليس من المدهش أن تطفو للسطح مؤشّرات سالبة كثيرة في داخل سياجات الأُسر ... تصل إلى الانفصال... والشتات جرّاء متابعة هذه الدراما ...
على ما في هذه الدراما من تجاوزات كثيرة ومهمّة في محك قيم الصواب والخطأ الشرعي فكراً وسلوكاً...
إلاّ أنّها يمكن أن تبعث للباحثين بمواد جاهزة للدرس... وتحرِّك بنود الأولويات لدى أصحاب الشأن التربوي...
وتفتح لذوي الرأي منافذ للتنظير والتجريب.., وللنفسانيين مسارب لخبايا كثير من الرواسب التي من شأن إظهارها والتكاتف على جليها ما سيؤدي إلى إعادة صياغة لبنود تنشئة يقوم فيها الإنسان من كبوات العادات وقصور التنشئة.