Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/07/2008 G Issue 13071
السبت 09 رجب 1429   العدد  13071
المستحيل العربي.. الرابع
عبدالعزيز السماري

يقف التاريخ بإجلال للأمم التي تتجاوز المستحيلات الذي تقف في وجه تقدمها وتطورها في سلم الحضارة الإنسانية، والمستحيل يختلف من وطن لآخر، ومن زمن لآخر، ويأتي في مختلف نواحي الحياة، فقد يكون مثلاً في نظامها الاقتصادي والسياسي.....

.....، كما هو الحال في روسيا الاتحادية والتي استطاعت الخروج من مرحلة الشيوع ونظام الحزب الواحد إلى عصر الديموقراطية والرأسمالية في زمن قياسي وبتأثيرات سلبية أقل من المتوقع حدوثه لمجتمع عاش لأكثر من جيل متعاقب تحت مظلة الشيوعية..

قد يظهر المستحيل في الفقر الشديد للموارد الطبيعية كما حدث لليابان التي تفتقر إلى المواد الخام، ومع ذلك فهي من أوائل الدول الصناعية المصدرة في العالم.. كذلك استطاعت الدول الإسكندنافية تحقيق المستحيل في إلغاء الفقر بمفهومه التقليدي عندما أحدثت طريقاً قويما بين الرأسمالية والاشتراكية ينهي حالة الحرمان من حوائج الإنسان البدائية كالغذاء والأمن الاجتماعي.. وفي أمريكا اللاتينية استطاعت إرادة الإنسان تحقيق المستحيل السياسي عندما تجاوزت أنظمتها الاستبدادية إلى مرحلة تحكمها الديموقراطية والشفافية..

للمستحيل في تاريخ البشرية وجوه متعددة تختلف حسب المرحلة،.. فقد كان المستحيل يوماً ما في القدرة على دخول عصر الثورة الصناعية ثم أصبح بعد ذلك في إحداث ثورة التكنولوجيا والاتصالات، والقائمة تتجدد كلما واجه العالم تحديا جديدا، ولعل التحدي والمستحيل الأهم في تاريخ الإنسان هو في قدرة العالم على تجاوز أزمة الطاقة القادمة نتيجة لشح مصادرها وارتفاع تكاليفها الاقتصادية.. طاقة البترول الخام أو المستحيل اليتيم الذي تحقق طبيعياً على الأرض العربية بلا عناء أو جهد ذهني، أو تحد عقلاني لأمة اعتادت الاستسلام لأوهام الخرافة والأساطير..

فالمستحيلات في ثقافتنا المعاصرة لا تزال تعيش في كنف الأسطورة التي تم اختزالها في ثلاثية الغول والعنقاء والخل الوفي، وهي ثلاثية تحكي عجز الثقافة العربية على تجاوز دوافعها البدائية مثل الخوف في حالة الغول، والذي يرمز لمخاوف الإنسان العربي من محيطه الاجتماعي والسياسي والطبيعي، وعلى سيطرة الخرافة في حالة العنقاء أو الطائر الذي يتحول إذا مات لكومة رماد ثم يعود حيا من بين هذا الرماد، ويدل في ثالث مستحيلاته الخل الوفي، على اختلال قيمه الاجتماعية وفقدانه للثقة فيمن حوله...

يملك العرب في الوقت الحاضر الاحتياطي الأعلى لأهم مصدر طاقة في التاريخ الإنساني، ومع ذلك لا زالوا مشلولين أمام مستحيلاتهم المعاصرة، فأوطانهم المترامية الأطراف لا تزال متوترة بمشاعر الخوف من رجل الأمن الداخلي، ومن المخبر الذي يطارد أفكارهم وعقولهم في كل زاوية ومن خطر دخول الغزاة إلى عقر دارهم.. تماماً مثل ما حدث في العراق..

والمستحيل الذي يجب على الأوطان العربية تجاوزه أولاً أن يتم تحقيق الأمن ثم نزع مشاعر وسلوك الخوف في العقل العربي لكي يعمل بحرية ويبدع بلا خوف.. أيضاً مستحيلات الفقر والتخلف والأمية مراحل لابد من تجاوزها قبل نضوب الطاقة من الأرض الفقيرة طبيعياً.. ولا يمكن بأي حال إغفال طامة الشلل البيروقراطي ومدى تأثيراته السلبية جداً على صناعة القرار، والبيروقراطية نقيض الديموقراطية أو هي حكم المكاتب التي لا يتبدل حالها، ولا تتغير أسماؤها مهما تبدلت الشعارات وتجددت العهود..

يظل المستحيل الأكثر تحدياً هو في القدرة على تجاوز حالة العطش الذي تهدد الإنسان في البلاد التي تفتقر لمصادر المياه، وهل يمكن لأمة أن تبقى على وجه الحياة بدون ماء.. وهل يمكن تجاوزها بدون الإقدام على تحقيق المستحيل على وجه الأرض.

لا يوجد حل طبيعي لهذه الأزمة الخانقة، ولن يحقق الاستمطار المستحيل على وجه الأرض، ولا بد من فعل المعجزة الإنسانية، والتي لن تحدث إلا باستثمار موارد النفط لتحقيق حلم الاستقرار الطبيعي من خلال تخصيص على الأقل ثلث الدخل الوطن من النفط لكي يتحقق مستحيل وفرة المياه في الواقع، لكن رابع مستحيلات العرب، والذي لن يحدث على الإطلاق مهما جاهد العقل البشري واستنفد جل قدراته الذهنية في سبيل تحقيقه، هو في اعتقاد ذلك المسؤول أن الحل السحري لهذه الأزمة يكمن فقط في توزيع إرشادات الاقتصاد في استعمال المياه على المواطنين الذين لا تصل المياه إلى منازلهم.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد