Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/07/2008 G Issue 13068
الاربعاء 06 رجب 1429   العدد  13068
زلزال في السياسة الصينية
ليانغ جينغ

الآن بعد أن خفتت توابع زلزال سيشوان العظيم، أظن أن الوقت قد حان لكي نسأل أنفسنا عن الصدمات التي ربما أحدثها ذلك الزلزال في النظام السياسي في الصين. هل كان الزلزال سبباً في ولادة قوة سياسية إيجابية جديدة قادرة على التعجيل بالإصلاح؟

لقد حدث ذلك من قبل. فجميعنا نذكر أن التغيرات السياسية الهائلة التي شهدتها الصين - سقوط (عصابة الأربعة) وتحول دينغ زياوبنغ إلى قائد أعلى للصين - جاءت في أعقاب زلزال تانغشان المدمر في العام 1976.

وفي ظل التباين الحاد بين موقف رئيس الوزراء ون جياباو الذي اتسم بالاهتمام الشديد أثناء الزلزال، والأداء السياسي المتواضع للرئيس هيو جينتاو، لا يملك المرء إلا أن يتصور أن الزلزال ربما تسبب في قلب التوازن بين أعلى المستويات القيادية في الحزب الشيوعي، فدفع القوى الليبرالية الممثلة في ون إلى مركز السلطة. إلا أن هذا في الحقيقة تصور ساذج.

فعلى النقيض مما كانت عليه الحال منذ ثلاثين عاماً، لن نجد الآن في النظام البيروقراطي الصيني الضخم قوى سياسية عاتية تدفع نحو الإصلاح السياسي. فآنذاك أرغمت ثورة ماو الثقافية عدداً ضخماً من رفاقه الثوريين إلى اتخاذ مسار إصلاحي. أما في الصين اليوم فإن الأغلبية الساحقة من البيروقراطيين يعشقون الوضع الراهن ولديهم من الموارد ما يكفي لحماية أنفسهم.

ورغم فوز ون بالتأييد الشعبي من خلال جهوده المخلصة المتواصلة لمساعدة ضحايا الزلزال، إلا أنه يظل معزولاً داخل الدوائر الرسمية. ورغم أن هيو يكاد يعجز عن إخفاء تواضعه كزعيم، إلا أن ذلك لا يشغل بال البيروقراطيين كثيراً. إذ إنهم لا يريدون شخصاً قادراً وجاداً يتحكم فيهم.

إلا أن زلزال سيشوان لم يكن منفصلاً تمام الانفصال عن التقدم السياسي في الصين. فقد سعى ون رغم الضغوط التي تفرضها عليه البيروقراطية إلى تغيير الوضع من خلال توسيع الانفتاح الإعلامي والشفافية. كما سعى إلى استغلال ألعاب بكين الأولمبية لمنح الإعلام الأجنبي قدراً غير مسبوق من الحرية، إلا أن البيروقراطيين نجحوا في عكس قراره.

لقد منح الزلزال ون فرصة ثانية لم تكن على البال. فقد استخدم التلفاز واستفاد من أدائه المتميز البارز في إثبات قدرة الأدوات الإعلامية والمعلوماتية الحديثة على تحجيم البيروقراطية في الصين. ولن يكون التراجع عن هذه السابقة بالأمر اليسير، ولسوف يكون لها تأثير إيجابي بعيد المدى على التقدم السياسي في الصين.

إن الزلزال، وما صحبه من شفافية إعلامية، كان سبباً في جعل البيروقراطيين أكثر عُرضة للمحاسبة. كانت الخسائر في أرواح المواطنين الصينيين بالآلاف، بما في ذلك ما يقرب من عشرة آلاف من أطفال المدارس، الذين لن تكون تعزية آبائهم بالأمر اليسير. هذا فضلاً عن الملايين الذين خسروا أملاكهم ومساكنهم، والذين لابد من إعادة تسكينهم في عملية قد تستغرق سنوات عديدة. ولا ينبغي أن يُسمَح للبيروقراطيين بإنفاق المنح الضخمة التي تم جمعها وأرصدة الإغاثة التي خصصتها الدولة على نحو عشوائي. ونتيجة لهذا فإن هذه الثقافة السياسية الجديدة القائمة على تحمل المسؤولية ربما تحظى بفرصة حقيقية للنمو.

إلا أن هذا لا يعني أن شخصاً ما سوف يبرز من الحزب بكل الشجاعة والقدرة على تمثيل الزعامة السياسية الجريئة. بل إنني في الواقع أتصور أن زعماء المستقبل في الصين من المرجح أن يبرزوا من المجتمع المدني الناشئ المحدود في الصين، وليس من بين أبناء الطبقة البيروقراطية.

وربما يكون قطاع الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية الناشئ في الصين من بين المصادر المحتملة للزعامة السياسية في الصين في المستقبل. ورغم أن الحزب يلجأ إلى سبل متنوعة لقمع تطور هذه الجمعيات، إلا أن زلزال سيشوان أظهر فشل الحزب في القضاء على القوة الاجتماعية التي تتمتع بها هذه الجمعيات الأهلية. لقد منحها الزلزال الفرصة للظهور، كما منح عدداً غير مسبوق من الناس الفرصة للنظر إلى هذا المجتمع المدني الوليد باعتباره قوة إيجابية تخدم مصالح الناس.

وهناك قوة صامتة أعظم قد تنتج جيلاً جديداً من الزعماء السياسيين: والتي تتمثل في الجيش سريع النمو من معتنقي المسيحية، والذي يقدر الآن بحوالي عشرين مليون مواطن صيني.

إن الصين التي يبلغ تعداد سكانها 1.3 مليار نسمة لا تفتقر إلى من يتمتعون بملكة الزعامة، وأنا أعتقد أن القدر الأعظم من هذه الموهبة موجود خارج بيروقراطية الحزب، بين أهل المؤسسات الناشئة التابعة للجمعيات الأهلية، والمؤسسات الخيرية، بل وحتى المؤسسات التبشيرية. إلا أن كل هذه المؤسسات في بيئة اليوم، التي تكاد تكون مغلقة، تفتقر إلى الوعي بمهاراتها وبصيرتها السياسية. والحقيقة أن المزيد من انفتاح وشفافية البيئة العاملة من شأنه أن يساعد في إيقاظ حس هذه المؤسسات بمهمتها السياسية.

ولكن ما زال علينا أن نتساءل: متى يأتي وقت التغيير السياسي الحقيقي؟

كتب ون جياباو مؤخراً حين كان في سيشوان: (إن المزيد من الشدائد من شأنه أن يوقظ البلاد). ومن الواضح أنه يقصد بهذا أن أهل الصين ربما ما زالوا بحاجة إلى المزيد من المعاناة حتى يكون بوسعهم أن يدركوا التقدم السياسي. قد يصدق هذا، بيد أنني أعتقد أيضاً أن جيلاً جديداً من الزعماء السياسيين قد ينشأ في بيئة معلوماتية أكثر انفتاحاً. وإننا لنأمل أن يرفض كل الزعماء استغلال أرواح الأبرياء كورقة مساومة في أي مواجهة قادمة.

***

* ليانغ جينغ اسم مستعار لأحد كبار باحثي السياسة الصينية في أحد المراكز البحثية التي أسسها زهاو زيانغ الأمين العام للحزب الشيوعي سابقاً. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة ويقيم الآن في الصين حيث يعلق على الأحداث لصالح راديو آسيا الحرة (Radio Free Asia).




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد