منذ حوالي ثلاثة أعوام، أثار أخي الفاضل والزميل الكريم الأستاذ خالد المالك، رئيس تحرير الزميلة الغرّاء (الجزيرة) قضية مهنية، انتهت مجتمعات العالم الصناعي من حسمها من قديم، ولكنها لا تزال غير محسومة لدى معظم بلدان العالم الثالث، ألا وهي حق جمهور المتعاملين مع أي صحيفة أو مطبوعة أو تلفاز أو إذاعة، في معرفة عدد قرّائها أو مشاهديها، والاطلاع من جهة موثوقة محايدة على حجم توزيعها وإقبال الناس عليها.
لقد انتقد أخي أبو بشار في مقاله سالف الذكر، المنشور في الجزيرة بتاريخ 6-6-1426هـ تحفُّظ الصحف السعودية على حجم توزيعها، كلما كان هناك سؤال أو استفسار أو رغبة في الحصول على معلومة ولو صغيرة عن توزيعها، وتعمُّدها اللجوء إلى إخفاء هذه المعلومات وتغييبها عن الأخرى، وكأنها شيء خاص بها، ولا مصلحة لأطراف أخرى في التعرُّف عليها.
وقال أبو بشار: (مثل هذا الطلب هو - بنظرنا - حق مشروع لمن يعلن بالصحيفة، أو يرغب بأن يتعاون معها في أي مجال، غير أنّ صحفنا لا تعير ذلك شيئاً من اهتمامها، وهي بذلك تضع نفسها في موقف من يضلل الآخرين بحقيقة أرقام توزيعها وسعة انتشارها، مفضّلة عدم الإعلان عن الحجم الحقيقي والصحيح لتوزيعها).
ومضى أبو بشار في نقده فقال: (واللافت للنظر أنّ الصحف السعودية تتسابق على إعطاء معلومات مبالغ فيها، عن عدد النسخ التي تباع منها في منافذ التوزيع يومياً، ضمن الحرص على أن تأخذ الصحيفة مكانها، في الصفوف الأولى بين زميلاتها ولو بشكل غير مشروع .. لكلِّ هذا أناشد الصحف السعودية، وأدعوها إلى أخذ زمام المبادرة والاتفاق الجدِّي، على أسلوب صحيح لتقديم المعلومة التسويقية العلمية عن توزيع الصحف، لما في ذلك من خدمة لها وللآخرين.) أهـ.
* * *
بعد ثلاثة أعوام من هذا النقد والمناشدة، يبدو أنّ أخي الأستاذ خالد المالك، وقد يئس من الوصول إلى اتفاق عام بين الصحف، قرر أن تقوم الجزيرة بإعطاء القدوة من نفسها، وأن تنشر على الملأ الأرقام الموثّقة لتوزيعها، وأن تدعو زميلاتها وبأسلوب صامت للاقتداء بها.
هناك دون شك وجهات نظر عديدة في الموضوع، تقوم في الكثير منها على المجاملة، والرغبة في عدم الإحراج، وربما تستند أيضاً إلى تجنُّب الإضرار بالذين تتدنّى مستويات توزيعهم إلى أرقام ضئيلة، لكني أريد أن ألفت نظر كافة الإخوة الكرام في المؤسسات الصحفية، إلى أنّ حقّ الجمهور في المعرفة أو المعلومة، وهو حقٌّ جاءت به الرسالات السماوية وأقرّته شرائعها، قبل أن يصبح من الحقوق الأساسية في الدساتير المعاصرة، وتلتزم به كلّ سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، هذا الحق يقع في جوهر رسالة المؤسسات الصحفية ومطبوعاتها، ويقوم على أساسه عمل بل ووجود أي جهاز إعلامي مقروء أو مسموع أو مرئي، ومن ثم فسيكون من غير المتصوّر أو المقبول، أن تنكر أجهزة الإعلام هذا الحق الذي يمثل أساس وجودها وجوهر عملها، حين يتعلّق الأمر بشفافية أوضاعها، وما يجب أن يطلع عليه جمهور الناس من أحوالها وجوانب أدائها.
لا يمكن لأيّ جهاز إعلامي أن يدافع عن حقِّ الناس في المعرفة والمعلومة، ويطالب الدولة والقضاء ومجالس الشورى وكافة مؤسسات المجتمع بالشفافية التامة، ثم ينكر كلّ ذلك، حين يتعلّق الأمر بأوضاع مطبوعته، أو أداء الجهاز الإعلامي الذي يعمل فيه، بل يجب أن يعطي من نفسه القدوة للآخرين.
* * *
تحية لأخي الأستاذ خالد المالك في مبادرته، وتحية لأخي الأستاذ محمد علي الخضير مدير عام الشركة الوطنية للتوزيع في دعمه، وأحسب أنّ صحفنا جميعاً قد بلغت والحمد لله مستوى من المهنية، تتقبّل معه بل وتتبنّى مثل هذه المبادرات، وأرجو أن تكون مبادرة أبي بشار فاتحة خير لإبرام اتفاق بين كافة مؤسساتنا الصحفية، تعلن فيه بكلِّ شفافية ومن جهة موثوقة محايدة أرقام التوزيع، مبيعاً كانت أو اشتراكات، وفي تقديري أنّ الشركة السعودية للتوزيع، ستكون في طليعة المتعاونين، مع زميلتها الشركة الوطنية للتوزيع، لإقرار مبدأ الشفافية الإعلامية من قبل الجميع.
فاكس 026530693
* هذا المقال نُشر في صحيفة (المدينة) أمس الأحد 3-7- 1429هـ و(الجزيرة) تنشره في عدد اليوم نقلاً عنها لما له من أهمية حول الشفافية في إعلان أرقام التوزيع للصحف السعودية.
msalahuddin@makpublish.com