بين مرحلة الشباب والعزيمة علاقة حميمة، فالشباب هو أقوى وأبهى مرحلة من مراحل عمر الإنسان، وعطائه وحيويته وعزيمته، وإنما تتقدَّم الأمم وتترقَّى وتقوى بما تضع لنفسها من مناهج وخطط سليمة، وبما تستثمره من عزائم شبابها ونشاطهم وعطائهم المتجدِّد. |
وإذا كان الشباب هم أعظم ثروة بعد ثروة المبادئ والقيم التي تملكها الأمم، فإن أمتنا الإسلامية تُعَدُّ من أغنى أمم الأرض في هاتين الثروتين الكبيرتين. |
أين نحن من استثمار ثروة الشباب؟ بل أين نحن من استثمار ثروة المبادئ والقيم؟ |
في الأمة الإسلامية خَلَلٌ واضح في تنمية هاتين الثروتين تنمية حقيقية نابعة من ثوابتها وقيمها الدينية، ولهذا نشاهد هَدْراً كبيراً فيهما، وتفريطاً مؤسفاً يحول بين الأمة وبين الإفادة منهما بطريقة صحيحة. |
قد يقول قائل: أين تذهب خُطط وزارات التربية والتعليم، ووزارات التعليم العالي، وخُطَط الابتعاث التي ترسل مئات الآلاف من أبناء المسلمين إلى جامعات الدول الغربية المتقدِّمة المتطوِّرة؟ |
وأين يذهب نتاج هذه الجامعات والكليات العلمية الكبيرة المنتشرة في عالمنا الإسلامي مجَّهزة بوسائل التعليم والتدريب المتطورة؟ أسئلة مهمة لا يجوز لنا أن نجيب عنها بلسان العواطف والمجاملات التي ترسخ مشكلة الازدواجية في حياة المسلمين، وتحول بيننا وبين الحلول الناجعة النابعة من قيمنا ومبادئنا وثوابت أمتنا؟ |
إن الإفادة الحقيقية من ثروة عقديتنا الكبرى لن تتحقق إلا بوجود الإنسان القوي الذي يحمل قيم هذه الثروة، وينطلق في طريق تطبيقها بمهارة وقوة وعزيمة صادقة، كما إن الإفادة الحقيقية من ثروة (الشباب) الكبيرة لن تتحقق إلا بوجود ثروة العقيدة وتعاليمها وقيمها في عقل ووجدان الشباب الذين ينهضون بالأمة، ويتقدمون بها، ويرفعون مقامها. |
ستظل عزائم شباب المسلمين واهيةً غير قادرةٍ على العطاء الحقيقي المنتظر ما دامت نفوسهم مصابة بداء الازدواجية الخطير. |
التقيت بمهندس سعودي متميز في مجال تخصصه الهندسي، ولكن تكوين شخصيته مهزوز فكرياً وثقافياً إلى درجةٍ جعلته يقول بإصرار واقتناع: ما دمنا نملك صوت المطرب فلان، وإبداع النادي الرياضي الفلاني فنحن في موقعنا الصحيح من مسيرة الأمم المتطورة في العالم المعاصر. |
نحن لا نحتاج إلى شاب يحمل شهادة علمية في أي مجالٍ من المجالات، ويحمل معها أفكاراً مناقضة لعقيدته وقيمه ومبادئ أمته، لأننا بهذا الشاب نرسِّخ التبعيَّة للآخرين، ونفقد الفائدة المرجوة من عزائم الشباب، ولربما يكون كثير من المسلمين الذين هم في موقع المسؤولية مأخوذين بالمظهر البرَّاق للتبعية العلميَّة المطلقة للدول الغربية المتطوِّرة مادياً، منبهرين بهذا الاستنساخ البشري المخيف في عالمنا الإسلامي، فيجعلهم ذلك في غفلةٍ عن النتائج الخطيرة التي ينساق عالمنا الإسلامي إليها. |
عزائم الشباب ستكون وبالاً على قيم الأمة الإسلامية ومبادئها وأخلاقها، وتماسك الأسرة المسلمة فيها، إذا بقيت عقولهم مغلفة بغلاف التبعية المطلقة للعالم الغربي الذي يعلمهم ويدربهم في مجال العلوم التطبيقية المختلفة. |
ألا يمكن أن تَجمع أمتنا بين الأمرين، الإفادة من علوم الآخرين الدنيوية، والبقاء على القيم والمبادئ والأخلاق؟ ألا يمكن أن نجمع بين الثروتين؟ |
|
إذا هبَّتْ رياحُك فاغتنمها |
فإن لكلِّ خافقةٍ سكونُ |
ولا تغفل عن الإحسان فيها |
فلا تدري الممات متى يكونُ |
|