قبل سنوات عدة كتبتُ مقالة عنونتها ب(مقهى المسرحيين) ضمن تغطيتي لفعاليات النشاط المسرحي المصاحب لمهرجان الجنادرية، نقلت صورة اجتماع المسرحيين القادمين من مختلف أنحاء المملكة في بهو ذلك الفندق المتواضع الذي يقيمون فيه بالرياض: العشاء الأخير، لحظات الوداع بعد تبادل التبريكات والتعليق على قرار لجنة الحكم، والملاحظات التي تطرح سنوياً: التنظيم والإضاءة والإمكانيات التقنية، الآمال والاقتراحات بخصوص السنة القادمة التي كان من بينها خشبة مسرح أفضل، مشاركة مسرحيين من الخارج، مهرجان خاص بالمسرح بعيداً عن الجنادرية، والأهم عودة رعاية المسرح إلى والده الشرعي: جمعية الثقافة والفنون.
وليلة أمس الأول جاء العشاء الأخير مختلفاً فقد تحقق الكثير من تلك الآمال، كان الحديث عن أصداء مهرجان المسرح السعودي الرابع في الخارج، كيف كان انبهار المسرحيين العرب في مهرجاني الكويت والجزائر بما سمعوه من زملائهم عن احتفالية المسرح السعودي وبعث مهرجانه من جديد، روعة التنظيم وإبداع العروض التي فاقت كثيراً ما تم عرضه في دول شقيقة تقدمتنا بسنوات ضوئية في الإمكانيات المسرحية والمهرجانية، ثم اتجه الحديث عن هذا المهرجان الذي جاء مكملاً لذاك وهم يقولون (هذا الشبل من ذاك الأسد).
لم تكن تملك إلا أن تقفز فرحاً مع أولئك الشباب الذين قفزوا لحظة إعلان فوزهم بجوائز المهرجان من قبل لجنة التحكيم، شباباً ورجالاً مخضرمين أعطوا المسرح سنوات من أعمارهم وهم الآن يحصدون ما زرعوا على تراب بلدهم، مبدعون اكتفوا لسنوات بتقدير الآخرين في مهرجانات خارج الوطن لإبداعهم، يضربون الآن بأقدامهم على أرضهم رافعين أيديهم نحو سمائهم وهم يسمعون أسماءهم ينطقها أعضاء لجنة التحكيم: عبدالعزيز الحداد الكويتي وخليفة التخلوفة الإماراتي بالإضافة إلى حزاب الريس السعودي.. وعلى أرض السعودية هذه المرة، في لقطة ثانية بعد سابقتها في مهرجان المسرح السعودي قبل أشهر.
أعطت إدارة المهرجان شهادات شكر وتقدير لكل من شارك في تقديم مهرجان المونودراما، جاءت الاحتفالية الختامية رائعة بمعنى الكلمة لتتوج جمال المهرجان، وحين ألقى رجاء العتيبي مدير المهرجان كلمته ختمها بجملة تستحق الوقوف عندها، قال: (شكراً لكل من قدّر عثرة الخطوة الأولى).
من يا رجاء الذي لن يقدر ويتغاضى عن عثرة قد يجدها في أي خطوة في أي مهرجان يقوم عليه بشر حتى لو كانت العاشرة وليست الأولى؟ بل من الذي سيحجم عن مساندة هذه الأقدام حتى تتجاوز عثرتها؟ خصوصاً إن علمنا أنها أقدام لثلاثة أشخاص فقط قام المهرجان بجهودهم الذاتية بل وبمصروفاتهم الخاصة إضافة إلى مظلة جمعية الثقافة والفنون.
من (مقهى المسرحيين) الذي كنا نفضفض فيه عن آلامنا وآمالنا، نعطي بدورنا شهادة شكر وتقدير بحجم هذا البلد وبحجم تطلعاتنا في المسرح لأصحاب هذه الأقدام وهذه الخطوة: رجاء العتيبي، د. شادي عاشور، ونايف المطيري، شكراً لكم فقد فتحتم لنا أفقاً جديداً نتنفس فيه مسرحاً آخر.
fahadag@gmail. Com