يا سلام على (السلام) الذي صار في مهب الريح، فلم يعد هو ذلك التكوين الإنساني المعبر عن الوئام والمحبة والألفة بين المجتمعات، صغيرها وكبيرها، في أطر المحلية والعالمية، فقد احتال السلام هذه الأيام إلى سلم يصعد بعضهم فيه نحو أهدافهم الدعية والمزيفة.
أضف إلى ذلك أن السلام بمفهومه الآن بات فيما يشبه الزعم في ظل هذه الهجمة المسعورة على كل من لا يقف إلى جانب (أدعياء السلام) لتختلط الأوراق، وتبدل المقولات وتتزحزح المواقف حتى وإن كانت تدعي السلام، فهؤلاء الذين يدعون الوئام وقلوبه دفينة بين غايات النهم والاستحواذ، إلا أن ما يثير الدهشة أنهم يتشدقون بالفضيلة، ويمارسون أرذل المواقف، فهم يغتالون كل شيء في حياة الآخرين، بذرائع ادعاء السلام المزعوم على نحو سلام الشجعان في فلسطين!!، وسلام العالم الحر في أفغانستان!!، وصفاء النفس في المجتمع المتحضر في العراق!!، فلم نر من السلام واقعا يمكن أن نركن إليه غير هذا الادعاء.
(السلام العالمي) بات شعارات جاهزة تباع في المهرجانات، ومعجون كذب معلب يروج له بعناية، وعبوات ادعاء مضلل تفتح في عمائر الليل الصاخب، وفجور لغوي واضح، بل بني في مقابل هذا الشعار الأجوف شعار لا يقل عنه هو الادعاء أن تكون معي مرغماً، في مطاردة الإرهابيين، فإن كنت مذعناً لكل ما أوريد فأنت محب للسلام، بل وعالمي في تكوينك المدهش لأنك ستكون تحت الطلب في أي وقت، وتحت أي ظرف من هذه الظروف السيئة وما سواها.
شعار (السلام العالمي) المزعوم بدأ براقاً في عيون بعض المنتفعين، والمخدوعين، أو الملجمين عنوة الذين يلهجون -ليلاً ونهاراً- بالأفضال العميمة لهذا الشعار، ومناقب أهله الحميدة، لكنه في ذاكرة الوعي لدى الجميع مجرد خداع كشفت تفاصيله، وقضي الأمر، لأنه لا سلام ولا شيء من هذا القبيل طالما أن الأمر مقلوب وبمزاج (الكاو بوي)، وعلى عينك يا تاجر.
أخطر ما في الأمر حينما تنادى (أعداء السلام بوهم وكذب أمام الجميع بأن (السلام العالمي) لن يتحقق إلا من خلال مشاريع الحرب والقصف والدمار والدماء وخراب البيوت وقلع الزيتون وحرق المصاحف كما حدث في بعض البلاد العربية والإسلامية على وجه التحديد، ومع ذلك لم يكفوا عن الادعاء بترسيخ مزاعم (السلام العالمي الجديد)، ولم يرف جفن لهؤلاء المهرولين، فهناك من يصافحهم، ويقبّلهم ويأخذهم بالأحضان، بل يسيّرون أمامهم جماهير تصفق وتهتف بسلامهم وتحضرهم المزعوم.
ففي العراق الجريح لم نر بعد الحرب أو أثناءه أي مظهر من مظاهر (السلام) كإعادة البناء، فالخطط التي يتذرع بها الغزاة لم تعد إلا لمجرد الاستهلاك اللفظي الذي لا يقدم أو يؤخر، فلم يعد ذلك الوعد بالبناء إلا لسجون جديدة، ومعتقلات حصينة لتعذيب المناضلين والمقاومين ومن يخرج على النظرة المشبوهة لهذا السلام المعدل وراثياً.
hrbda2000@hotmail.com