استوقفتني رسالة وصلتني عبر الهاتف الجوال من مصدر مجهول، وأعتقد أنها قادمة من مصدر ترويجي إعلاني رقمه يمتلك أربع خانات، لكن محتواها أيقظ داخلي عدداً من علامات الاستفهام، فالرسالة تقول أرسل رسالة فارغة إلى الرقم (......) لتصلك جميع مآثر وتاريخ الصديق والفاروق رضي الله عنهما!، فهو للوهلة الأولى سيبدو محملاً برسالة سامية ذات أبعاد نبيلة. |
وبعد أن انتظرت من نفس المصدر أن تترى الرسائل عن بقية الصحابة رضوان الله عليهم، أو قبل هذا كله رسالة عن سيرة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، لكن لم يصلني إلى هذه اللحظة شيء. |
وحاولت عندها أن أراوغ حس المؤامرة الذي ترصد بي, لكن هذا لم يمنع أن أستشعر حلول طيف الطائفية في المكان، برفقة المحتوى التاريخي الانتقائي الذي من الممكن أن تكون هذه الرسالة قد تلغمت بها، فالفتنة الطائفية لا تقدم من الخواء، ولا تنبثق من المجهول، بل هي على الغالب تكون عبارة عن احتقان تصب فيه كل عوامل التنافر والبغضاء والفرقة عبر التاريخ بين طائفتين، فيتورم بمرور الوقت إلى أن ينفجر وتتناثر شظاياه لتطال الجميع، وقبل أن يتداركه العقلاء كقول نصر بن سيار والي الأمويين على خراسان: |
أرى خلف الرماد وميض نار |
وأخشى أن يكون له ضرام |
فإن النار بالعودين تذكى |
وإن الحرب مبدؤها كلام |
فقلت من التعجب ليت شعري |
أأيقاظ أمية أم نيام |
فموقظو الفتنة على الغالب يبحثون عن مواطن الخلاف والاشتجار بين الطوائف ويسعون إلى إثارتها وتأجيجها وتسليط الأضواء عليها، وتصعيد واستعادة جميع التفاصيل التاريخية التي صاحبتها، وبالتالي يبث في المناخ العام أجواء مستجيبة للعنف والخلافات المتقاطعة مع أجواء التسامح والسلم والتعايش، ويضربون صفحاً عن جميع عوامل التشابه والتقارب والانسجام والقبلة الواحدة التي يصلي باتجاهها المسلمون خمس مرات سوياً. لاسيما إذا لم يواجه هذا الخطاب بخطاب معتدل عقلاني قادر على استقراء الأبعاد العميقة لمجريات الأحداث في المحيط العربي والإقليمي. |
وهو المأزق الذي ظلت تعانيه المنطقة منذ عصور طويلة، والآن أي مناوشة بسيطة بين إيران ومحيطها سيكون محملاً بالبعد الطائفي، فهذه الرسائل التي تدس في محيطنا خلسة هي الوقود الذي سيستجيب لأي شرارة قد تشتعل من خلالها المنطقة في فتنة طائفية عارمة، تستطيع من خلالها الدول العظمى المحتلة والغازية، أن تصفي حساباتها ببساطة وسهولة وبالعدد اليسير من الخسائر. |
قد أكون أسرفت في تأويل أبعاد تلك الرسالة، وقد أكون أسبلت عليها. قد يكون لها بقية. |
|