تحت هذا العنوان ناقش الأستاذ خالد بن حمد المالك (رئيس تحرير صحيفة الجزيرة) هذه القضية في مقالة نشرها عام 1426هـ، وأعاد نشرها مرة ثانية تزامناً مع إفصاح الصحيفة عن أرقام توزيعها لأول مرة في تاريخ الصحافة السعودية، اعتماداً على شهادة موثقة من الشركة الوطنية للتوزيع (صحيفة الجزيرة، 29 جمادى الآخرة 1429هـ، الصفحة الأخيرة)، وهي مقالة أتفق معه فيها مضموناً، فما عهدت أي صحيفة في العالم تحجم عن تزويد الباحثين والدارسين بهذه المعلومة، بحجة أنها تؤثر على دخلها الإعلاني، وهي تعلم وتدرك جيداً أن الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) دخلت حلبة المنافسة، واستولت على زبائن الإعلان والمعلنين، ومن خلالها يمكن معرفة حجم الإعلانات، والمعلنين، والمستهدفين بالإعلان.
لقد عانيت من هذه المشكلة عندما كنت بصدد الحصول على درجة الدكتوراه من قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (عام 1427هـ). طرقتُ أبواب صحف أربع، فلم أظفر منها بأي معلومة تساعدني على إتمام بحثي العلمي، حتى إذا أيقن مشرفي (الأستاذ الدكتور فهد بن عبدالعزيز العسكر) الصعوبات التي واجهتها، والتي لم يكن مقتنعاً بها، صمت على مضض، واكتفى بالحوْلقة.
لا بد أن تدرك الصحف السعودية أن اتجاهات توزيع الصحف في العالم باتت تشكل تهديداً لصحفهم المطبوعة، في مواجهة الفرص الاقتصادية، الهائلة لتوسيع النشاط الإعلاني عبر الإنترنت، والجوال، للوصول إلى شريحة واسعة من القراء، خصوصاً من الأجيال الشابة.
أعود إلى قضية إحجام الصحف السعودية عن الكشف عن حجم توزيعها، ولا أجد مبرراً له، وحتى حجة تناقص حجم الإعلان الآن أمر طبيعي؛ فالإنترنت أصبح منافساً شديداً لها، وإن كان ذلك لا ينطبق على واقع المجتمع السعودي، بحكم ضآلة عدد المستخدمين قياساً بمجتمعات أخرى، وعليها أن تبحث عن مصادر تمويل جديدة، وفي مراكز البحوث والدراسات الإعلامية ما يساعدها على وضع تصوُّر لهذه المصادر، لكنها لا ولن تتحقق ما دام معظمها يضرب طوقاً من الإحجام بينها وبين تلك المراكز، وبخاصة إذا كانت سعودية، وتضم أساتذة إعلام سعوديين متخصصين، درسوا الإعلام في جامعات متقدمة، وخبروا دروبه، ومسالكه، فزامر الحي لا يُطرب.
في دراسة مشتركة أجرتها مؤسسة زغبي ووكالة رويترز، بالتعاون مع منتدى المحررين العالمي، تبين أن نصف المشاركين يعتبرون أن المساهمين والإعلانات تمثل خطراً على استقلالية التحرير، وهذا صحيح؛ فقد امتنعت صحيفة سعودية معروفة عن نشر مقالة تنتقد أداء مؤسسة سعودية معروفة، ولما سأل الكاتب عن الأسباب قيل له: لا نريد أن نخسر إعلانات هذه المؤسسة؛ ما يعني باختصار وقوع الصحيفة تحت ضغط الجهة المُعْلِنة.
لقد سجلت صحيفة الجزيرة سابقة لم تكن معهودة من قبل: الإفصاح عن حجم توزيعها، ولا يضرها أن هبط أو ارتفع؛ فللهبوط أسبابه، وللارتفاع أسبابه، المهم أن تعمل على تدعيم الإيجابيات وتعالج السلبيات، وليست هناك أي وسيلة إعلامية في العالم في مأمن من ذلك.
فاكس 4543856 - الرياض
(*) badrkerrayem@hotmail.com