هكذا يصنع البشر حينما يصبحون عبيداً للمادة، ويجعلون الدولار هدفاً لهم، تموت الضمائر الحية حينما ينصرف الإنسان عن هدفه الأسمى في الحياة ألا وهو (عبادة الله عز وجل) إلى أهداف دنيئةٍ صغيرة يُهدر فيها أثمن ما يملك في هذه الحياة ألا وهو الزمن (العمر) القصير الذي كتب له أن يقضيه في الحياة الدنيا.
تتلاشى جميع مظاهر التطور التقني والمادي المبهرة في العالم أمام فقدان الإحساس بالآخرين، والشعور بقيمة الروح والعقل، وأمام تحوُّل الإنسان المادي إلى آلةٍ بلا ضمير.
امرأة أمريكية تميل إلى السُّمرة، اللّون المكروه لدى الجنس الأبيض العنصري في أمريكا وأوروبا، تنتظر فراغ سرير في إحدى المستشفيات الكبرى في (نيويورك) عاصمة الإبهار المادي العالمي، ويستمر بها الانتظار ساعات طوال، تشعر بعدها بإجهاد شديد، كانت وحيدة في مكان الانتظار إلا من وجود موظفين على مرمى سوط منها، ووجود بعض رجال الأمن، كانت تنتظر، وتصارع المرض والملل، حتى إذا بلغ بها التعب أقصاه، وقعت على الأرض في حالة إعياء شديد، توجهت أنظار الموجودين إلى جسدها الأسمر الممدَّد على الأرض دون إبداء اهتمام بما حدث بعد قليل تقدم رجلان فنظرا إليها نظرة استطلاع ثم انصرفا عنها متقززين غير مهتمين، وجاء رجل بملابس طبيب أو ممرض فنظر إليها النظرة نفسها وانصرف، وجاء رجل الأمن فما زاد على نظرةٍ باهتةٍ كنظرات من سبقوه، وتبيَّن بعد قليل أن المرأة قد فارقت الحياة، وسجلت حالتها تسجيلاً معتاداً لاستكمال مراحل وإجراءات الدفن ومواراة هذا الجسد في التراب، لم يعلم أحد من الناس بتلك الصورة المؤلمة التي مرت بها هذه المرأة الضحية، ولم يطلع أحدٌ من الناس خارج ذلك المكان على ذلك الإهمال الذي تعامل به من كانوا موجودين مع هذه المرأة المسكينة، شيء واحد كشف هذا الموقف الذي يتنافى مع أيسر حقوق البشر التي ينادي إليها أولئك البشر، مع أنهم هم أوَّل من ينتهكها انتهاكاً صارخاً في أنحاء العالم، عين واحدة رأت ذلك الموقف واحتفظت بصوره فتحوَّل بذلك إلى قضية جنائية تناقلت أخبارها وكالات الأنباء.
إنها عين (كاميرا المراقبة) عدسة التصوير الخفيَّة الموجودة في أنحاء المستشفى، ولو تذكَّر أولئك الذين أهملوا تلك المرأة في لحظة إهمالهم لها أن عدسة التصوير تلتقط صوراً لهذا الموقف المشين لكان لهم شأن آخر، لأنهم تربوا على الخوف من الكاميرا والقانون ولم يتربَّوا على الخوف من الله الذي لا تخفى عليه خافية.أيها الأحبة، كم نحن خاسرون بانصراف كثير منا عن تلك المعاني السامية التي نتعلَّمها من ديننا الحنيف، كم نحن غافلون عن ضرورة نشر قيمنا الروحية العظيمة في أنحاء العالم لإنقاذ البشر من تلاعب شياطين الإنس والجن بحقوقهم وأرواحهم ومشاعرهم.
إنًَّ مراقبة الله في السرِّ والعلن هي التي تحقق للمجتمع البشري الأمن والاستقرار، وهي التي ترعى حقوق الناس رعاية صادقة نابعة من القلب، بعيد عن الرياء والسُّمْعَةِ ومداراة القوانين البشرية.
إشارة:
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.