في عام 1968م اغتيل مارتن لوثر كنج المدافع التاريخي عن حقوق السود في الولايات المتحدة. وبعد أربعين سنة من اغتياله ها هو باراك أوباما (الأسود) يحصد ما زرعه ذلك الحقوقي العظيم، ويفوز بترشيح أحد أكبر حزبين سياسيين في أمريكا لرئاسة الدولة. ومهما كانت نتيجة انتخابات الرئيس، فإن مجرد وصول أوباما إلى هذا المستوى الرفيع في مجتمع كان قبل أربعة عقود عنصرياً ضد السود، ويتعامل معهم بدونية واحتقار، هو في حد ذاته دليل على أن هذا المجتمع مجتمع حي نابض يتغير ويتطور ويتماهى مع متطلبات البقاء، وحقوق الإنسان، وتماسك الوطن من خلال عدم التمييز بين أبنائه لأي سبب كان؛ وهذا دليل صحة وتحضر بكل المقاييس.
وفي المقابل تلتفت إلى بلادنا فتجد أن (العنصرية) ضاربة بأطنابها بين أبنائها. فرغم خطط التنمية التي غيرت الكثير من واجهة بلادنا الحضارية، وجعلتها تبدو في غاية المواكبة، إلا أن (التنمية البشرية)، ما زالت لم تواكب هذه النهضة التنموية في مجالي العمران والخدمات.
ولعل من أهم المؤشرات التي تثبت تخلف التنمية البشرية لدينا التمييز بين القبلي وغير القبلي في العلاقة الزوجية، الذي لا تحميه الأعراف الاجتماعية الموروثة فحسب، وإنما تتدخل المؤسسة القضائية فتصدر أحكاماً للتفريق بين الزوجين غير المتكافئين في النسب؛ رغم أن التأسيس الذي بُنيت عليه هذه الأحكام تعوزه الكثير من الرؤية الحضارية، والواقعية الفقهية، وإدراك أننا نعيش في مجتمع متحضر، يقوم التماسك والتلاحم بين أفراده على أسس وقيم ومفاهيم تختلف عمَّا تقوم عليه المجتمعات التي أسست لمثل هذه (الاجتهادات) في الماضي، والتي تتكئ عليها هذه الأحكام اليوم في حيثياتها؛ رغم البون الشاسع بين زمننا وزمنهم.
فالأصل في الإسلام المساواة؛ فعندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر الغفاري يعتدي على بلال بن براح ويقول له: يا ابن السوداء، غضب وانتهر أبا ذر وقال: (طَفّ الصاع طَفّ الصاع)؛ ثم اتجه إلى أبي ذر وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية؛ ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح)؛ فوضع أبو ذر خده على الأرض؛ وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه، ويُكفر عنه ما بدر منه من خلق (الجاهلية) الأولى. وطف الصاع أي جاوز الأمر العدل. وهذا يعني أن العنصرية هي ضرب من ضروب (الجاهلية) التي ما أتى الدين القيم إلا للقضاء عليها.
و(المثقف) المتحضر اليوم مَعنيّ قبل غيره بالعمل على ترسيخ فكر (المساواة) بين أفراد المجتمع؛ ليس فقط بإلغاء التمايز القبلي (الجاهلي) بين أفراد المجتمع، وإنما - أيضاً- بإلغاء التمييز حسب الجنس بين (الرجل والمرأة) إلا بما بينه وحدده الشرع الحنيف بوضوح؛ لا العادات والتقاليد البالية، التي تقف من المرأة- عنصرياً- ذات الموقف الذي يقفه التمييز العرقي. أعرف أن هناك من يرفض التمييز العنصري ببعده القبلي، بينما يقبل التمييز العنصري بين الرجل والمرأة، رغم أن القضيتين وجهان لعملة واحدة؛ فلا يمكن أن يكون سياقك المنطقي مستقيماً وأنت (تقبل) أن تتعامل مع النساء بدونية، و(ترفض) مقتضيات الأعراف القبلية التي أفرزت هذا التباين العنصري؛ فهذه وتلك تنهلان من ذات المنهل إنها (العنصرية) البغيضة. إلى اللقاء.