يبدو أن دول العالم بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية قد دخلت في صراعات أخرى غير صراعات الحروب والفتن والاستعمار والاحتلال، صراعات شديدة هدفها امتلاك القوة في المجالات العلمية والصناعية والتكنولوجية والزراعية، والدول التي وصلت إلى أسباب القوة هذه أصبح بمقدورها أن تتحكم وتسيطر على الدول الضعيفة والفقيرة. وهذه الدول المتقدمة والمتطورة لا يمكن أن تعطي أو تتيح ما وصلت إليه من تقدم معرفي وعلمي وصناعي إلى دول العالم الثالث إلا بحدود ضيقة، ومع هذا فهناك دول مثل الصين واليابان والهند وكوريا - بشطريها - وماليزيا قد واجهت هذا التحدي بشجاعة، وصار يشار لها اليوم بالبنان من ناحية التطور العلمي والصناعي، ومجالات التقنية المتنوعة. أما الدول العربية في معظمها فهي في مكانك سر، وما يهمنا هنا هو أن نلقى نظرة عامة على وطننا - المملكة العربية السعودية - وماهية دورها في هذا الصراع؟.
نعتقد أن المملكة العربية السعودية عليها مسؤولية عظيمة تجاه الدول العربية الأخرى، فهي أكبر دولة عربية في جزيرة العرب، وفيها أقدس مدينتين إسلاميتين، وفيها قبر نبي الإسلام محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- وبعض قبور أصحابه الكرام، وقد منح الله سبحانه وتعالى المملكة ثروات طبيعية متنوعة تحسد عليها، وقد بدأ التعليم الجامعي فيها منذ أكثر من نصف قرن، واليوم فيها من الجامعات عدد لا يحصى، فالطريق نحو التطور العلمي والتقني والصناعي مفتوح على مصراعيه لها.
وقد اتجهت المملكة إلى المشاريع الصناعية وخصوصاً في مجالات الصناعات البترولية منذ مدة ليست بالقصيرة، ولكن هناك صناعات أخرى يمكن أن تقام في المملكة إذا وفرت لها الطواقم البشرية الوطنية المدربة، فالمملكة بحاجة إلى مصانع للسيارات، ومصانع لأدوات كهربائية متنوعة، ومصانع للغزل والنسيج، ومصانع أخرى تكفي على الأقل للاستهلاك المحلي، صحيح عندنا صناعة حديد وأسمنت ولكنها للتصدير، والمعروف أن الدول لا تصدر مصنوعاتها إلا بعد توفرها في أسواقها المحلية إذا كانت في حاجة إليها وبأسعار مناسبة.
يخطئ من يظن أن الدولة هي المسؤول الأول عن الحركة الصناعية في المملكة، فالدولة قد تطرح وتقترح بعض المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها.. ورجال الأعمال ينفذون، ولكن رجال الأعمال عندنا - ما عدا القليل منهم - لا يديرون البال لهذه المسألة والأهم عندهم هو تكديس الثروة (العمر يزول والثروة تزول، ولكن ما ينفع الناس والأجيال القادمة يبقى). وللمعلومية فهناك في جامعاتنا وخصوصاً في الأقسام العلمية منها أبحاث علمية جاهزة وأبحاث أخرى تعمل وهذه بحاجة للتطبيق والتنفيذ، والمعروف في دول العالم المتقدم أن الجامعات تقوم بالأبحاث العلمية، ورجال الأعمال والشركات تقوم بالتمويل والتطبيق. لقد أنشئت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية منذ أكثر من ربع قرن ومولت مشاريع بحثية لا تحصى، ولكن قليل منها طبق.
إن نصف سكان المملكة تقريباً هم من الشباب وهؤلاء هم الثروة الفعلية في الحاضر والمستقبل وهم الذين يصنعون ويخترعون ويبتكرون إذا أتحيت لهم الفرص في التدريب والتشجيع والتوجيه السليم، ورجال الأعمال لهم دور عظيم في ذلك فبمقدورهم إذا أرادوا أن يبعثوا أعداداً منهم للعلم لمدد محددة في ورش شركات صناعية معينة مثل مصانع السيارات في اليابان وكوريا وحتى في ماليزيا وأندونيسيا والصين وروسيا... إلخ فعلينا أن نعرف أن عقل السعودي مثل عقل الياباني والكوري والأمريكي.. إذا أتيحت له الفرصة.
الرياض: 11642 - ص.ب: 87416
dr.a.hawawi@hotmail.com