في كثير تنغمس في عملك... تبحر في تفاصيله... تتمتع به حتى أنك تقيم بينك وبينه حوارا دائما فتجدك تتحدث إليه في معابرك وخلواتك وفي أثناء أكلك وشربك... وأنت إن بلغت هذه العلاقة الحميمة بعملك لاشك ستنتج الكثير، وتؤثر في الكثير من مجرياته... لن تكون هذه الحالة مرضية إن أعطيت كل من معك حقه في التفاعل المماثل فلا تتخطى على صلاحيات منحت لسواك أو منحتها أنت لهم في حال أنك الرئيس...
في الوضع الذي يكون فيه العمل مستهلك لطاقات التفكير والتنفيذ الإجرائي التفاعلي الفوري وتحديدا المحتك بفئات من الناس أو قطاعات من المجالات لن يكون في وسعك أن تفرغ لنفسك فتدون خطواتك...
كثيرون لا يكونون أذكياء فيما يتعلق بهم حين يكون هذا العشق بينهم وبين أعمالهم... فهم متفرغون له ومن أجله حتى أنهم في الغالب تمرق منهم لحظات لابد لهم فيها من رشف كوب من القهوة فتبرد على مناضدهم أو يلتقمون ما يجيب نداء ترسله بطونهم في لحظات جوعها... لكنهم لا يفعلون... ومنهم من تشحب صفحة وجهه جهدا وتحتج عظامهم رهقا...
ينسون كثيرا متى يتحدثون لأقدامهم اعتذارا لكثرة إجهادها...
أو يقدمون بالغ الأسف لعيونهم لكثرة إعيائها...
أو يربتون على كتوفهم لثقل أحمالها...
هؤلاء سيبقون في ذاكرة من يتفاعلون معهم...
بصماتهم لا تغادر الصدور...
لكنهم يهبون لحظة فيما يأتي يبحثون عن أنفسهم ماذا قدموا لها...؟
لن تؤنبهم أقدامهم ولا أيديهم ولا عيونهم ولا أكتافهم لأنها الوحيدة الحميمة الملتصقة بهم والتي لم تتخلى عن البقاء في خانة مرآتهم الداخلية والخارجية...
فهي التي يجدون أنها سجلت بلغتها كل الذي قدموه وفعلوه...
وينتهي الأمر بالناس أن يغادروا معهم الساحة...
يبقى بينهم وشائج ذاكرة...
وردية لا تنفك عن نشر شذاها...
غير أن الذين جلسوا مجالسهم ينسون...
يبدأون في العد لأنفسهم والحصد لخزاناة ذواكرهم.. ولكن بشكل أذكى...
ليسوا لأنهم أشد ذكاء أو أكثر عطاء أو أوسع فرصا...
بل لأنهم ليسوا مندمجين بلهف مع أعمالهم كما كانوا هم...
فهؤلاء يحسنون كيف يتذكرون أنفسهم في البدء قبل غيرهم..
ويؤرخون متى يكون الحصاد لهم لا لسواهم...
يضعون في مقدمة خريطتهم الدرب الذي يبدأ منهم ويعود لهم...
لكنهم في النهاية ليسوا خاسرين...
ذلك لأن لوحا واحدا لن تطمس سطوره امتلاءاتُ مرآةٍ بصمت وجْهَيْ أقدامهم...
حين الركض وحين الوهن...
ولا عيونهم حين الإبصار وعند الكلل...
ولا أكتافهم حين الشدة وبعد التراخي...
تلك الذاكرة ليست من ورق بين أيدي البشر...
ولا من لحم من عضلات ألسنتهم....
وليست كذلك من بلور يسلطون شعاعه متى وكيف يشاءون...
أو سيقان شجر يحفرون عليه ويبصمون...
هي أيضا ليست مرسول ريح حين تنقل ما يقولون...
ولا حارس ذهن لما ينتقون فيذكرون...
بل هي ميثاق وعد ربما لم يدرك كنه بشر بعد...
فاركض في مضمار حبك...
واعمل بهذا الحب عطاء خالصا لا تشوبه نية في بقاء...
ولا تلونه أحلام في وفاء...