«الجزيرة» - منيرة المشخص
يبدأ عبدالله بلملمة ما تبقى من راتبه الشهري بعد أن اقتطع البنك نصفه الأول، والآخر تفرق على فواتير الاتصالات والكهرباء وزيادات الغذاء والدواء.
ويحاول في نهاية كل ستة أشهر بعد أن يستدين من أمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وكل امرئ يلتقيه، جمع 9 آلاف ريال ليسدد إيجار شقته ذات الخمس عشر ربيعاً التي ارتفع إيجارها بسبب ارتفاع أسعار الحديد!
ومثل عبدالله كثير من الشباب السعودي الذي وقع ضحية (الدم الفاسد) كما يسميه الكثير؛ كون ما يدفعونه خلال سنوات يذهب إدراج الرياح، وإن كان يسكن بها فهو لن يملكها رغم أنه يدفع ما يعادل أضعاف قيمة سكنه المؤجر.ولا تزال أنظمة قطاع العقار (كالسراب يحسبه الظمآن ماء)؛ فبعد إلغاء وزارة الإسكان لم يعد الأمل بالحلول رغم إنشاء هيئة مؤخراً لم تجد مقراً لها حتى الآن، فكيف ستوجد للمواطنين، فضلاً عن إقرار الرهن العقاري وآليات التمويل التي تسيطر عليها المصارف دون غيرها التي لا تزال حبيسة الأدراج.
ويعتبر مختصون أن قطاع العقار حالياً لا يرتقي إلى متطلبات الاستثمار ولا يخدم استراتيجياته المستقبلية، وأن تنظيمات القطاع تحتاج إلى سرعة في البت، وهو ما نفتقده في آليات العمل الحكومي الذي يتسم عمله بالبيروقراطية والبطء.وأوضح سلمان بن عبد الله بن سعيدان رئيس مجلس إدارة مجموعة سلمان بن سعيدان العقارية أن تأخر نمو القطاع بسبب النظرة القديمة للاستثمار العقاري التي ترى أن القطاع عبارة عن سوق لتداول بيع وشراء الأراضي والمساكن فقط، رغم أنه في كثير من دول العالم يقوم عليه جزء كبير من الاقتصاد الكلي للبلد وتوفير السيولة من خلال السوق العقارية الأولية والثانوية.ويوافقه علي الشهري مدير شركة العلي العقارية؛ حيث يرى أن السوق العقاري يحتاج إلى مرجعية رسمية حكومية تعنى بكل نشاطاته، بدءاً بالتصاريح، وانتهاء بالمؤشرات والقياسات المستقبلية.بدوره يرى سلطان بن تركي اللويحق رئيس مجلس إدارة شركة الجزيرة المتحدة للاستثمار العقاري أن طبيعة القطاع تتسم بتشعبه وسرعة نموه وتأثيره على المستهلكين خاصة مع التزايد المتسارع للنمو السكاني الذي يعد الأعلى عالمياً، وبالتالي فإن تنظيماته تحتاج إلى سرعة في البت ومراجعة دورية متمحصة، وهو ما نفتقده في آليات العمل الحكومي التي يتسم عملها بالبيروقراطية والبطء، كما أن القطاع بطبيعته مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواطنين وغالبية، مكوناته تجمع أداء عمل كافة الجهات الحكومية، وهو ما خلق ارتباكاً تنظيمياً طال مستهلكيه، وبالتالي فإن القطاع الحكومي مطالب بالعمل وفق آلية عمل القطاع الخاص ذات الطبيعة الديناميكية.واعتبر سلمان بن سعيدان غياب الإحصائيات الدقيقة عن نشاط القطاع التي توثق نشاطه، وتحلل بياناته وتستقرئ مستقبله، من أكبر إشكاليات السوق العقاري لعدم وجود مرجعية واحدة وتوزع المسؤولية بين عدد من الجهات، مثل وزارة العدل، ووزارة البلديات، والتجارة، وغيرها.
من جهته اعتبر علي الشهري أن غياب التقارير الموثقة لنشاط السوق واقتصارها على مؤشر وزارة العدل الأسبوعي في الرياض والدمام فقط، ساهم في غياب معلومات كثيرة عن المستثمرين، خاصة في مجال التطوير العقاري، الذي يركز على توطين المساكن؛ الأمر الذي يضطر كثيراً من الجهات إلى تبني تقارير خاصة بها، من خلال دراسات مسحية ودراسات جدوى.وأضاف الشهري بقوله: (أعتقد أن غياب المؤشرات ساهم أيضاً في تأخر دخول مستثمرين أجانب للسوق السعودي؛ لأن المستثمر الأجنبي، يهتم بمصداقية ومرجعية المعلومة العقارية).
ويوافقه سلطان اللويحق على أهمية وجود مؤشر لسوق العقار، وقال: (نحن بحاجة إلى الاستثمار في شركات القياس والدراسات العقارية؛ فالقطاع يعاني ندرة هذه الاستثمارات مقارنة بالدول العالمية). وتوقع أن تلعب مثل هذه الاستثمارات في حال نشأتها دوراً مهماً في توجيه السوق نحو الطريق الأمثل لتطوره، وقال: (في المقابل فإن تلك الاستثمارات من شأنها خدمة العقاريين والمستهلكين على حد سواء، ووجود أدوات للقياس والمؤشرات يمثل عامل توازن للقطاع واستثماراته، ويمكن أن يضر بمصالح العقاريين المتلاعبين بالسوق).