ماذا يحدث بالنسبة لبترول العراق؟ العراق، الذي يحتل المرتبة الثالثة في احتياطي النفط عالمياً، أعلن مؤخراً عن فتح الباب لشركات النفط العالمية لتوقيع عقود نفطية، عسى أن تكون في صالحه.. وإلى الآن يبدو الأمر بسيطاً، إلا أن هنالك أموراً تجعل من هذا الموضوع معقداً إلى درجة كبيرة.. فهل الوضع الجيوبولتكلي في العراق، أي من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، يجعل أمر التفاوض مع شركات النفط الأجنبية، التي يبلغ عددها 42 شركة، سهلاً، أم أنه يشوبه الكثير من التعقيد؟
لقد ذكر أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي، السناتور كيري، أن هذه العقود النفطية قد تسبب مشكلة سياسية تجعل من مهمة العسكريين في العراق أكثر صعوبة، أو تزيد من الوضع العسكري تعقيداً.. وهنالك ثمة جدلية حول حساسية المنتجين، بما فيهم أولئك الذين في زمامهم صناعة النفط، والمستهلكون، فكلا المعسكرين يدعون الثبور وعظائم الأمور، وكل جانب يُلقي باللائمة على الآخر.. والحاجة ماسة إلى صياغة قانون نفطي وطني، فلا بد أن يكون هنالك سياسة وطنية بدلاً من سياسة محلية إقليمية تسيّرها المجموعات والمليشيات.. لا بد أن يأخذ القانون المزمع صياغته بالجوانب المرتبطة بالنفط من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ولا يمكن أن تطور صناعة نفط بدون ذلك.. ومنذ التسعينيات مثلاً والأكراد في الشمال، بعيداً عن الحكومة المركزية في بغداد، كانوا يتفاوضون مع شركات أجنبية، وكانوا يسلكون طريقاً، وبغداد تسلك طريقاً آخر.
ومرَّ العراق ونفطه بمراحل، وسلك طرقاً لم تكن مفروشة بالورود والرياحين، فمنذ العشرينيات والشركات الأجنبية تستغل نفطه كما هو الحال بالنسبة لبلدان أخرى في العالم، ثم مرَّ بمرحلة التأميم الوطني، ثم جاءت الثمانينيات وحربا الخليج، ثم الحظر الاقتصادي على العراق بسبب غزو الكويت، ثم الغزو الأمريكي للعراق ومن ثم احتلاله.. ومن وجهة نظر المواطن الأمريكي العادي الذي ربما يتساءل ويقول: لِمَ تذهب الأرباح إلى الشركات النفطية ولا يزال سعر الجالون الواحد يبلغ أربعة دولارات إن لم يتجاوزها؟ أم أن يُقال يجب ألا يجوع الذئب ولا تفنى الغنم؟.. لكن كيف لا تُركِّز الشركات الأجنبية ولا يسيل لعابها لما بين 5 إلى 6 ملايين برميل من النفط يومياً ولمدة خمس سنوات.. أما عامة الناس، ولا سيما الأمريكيون، فيجب عليهم أن يدركوا أن الفترة الحالية تُمثِّل بداية النهاية للاعتماد الكلي على البترول وعلى استخدام المركبات ذات الشراهة الكبيرة في استهلاكه.. وهنالك من يقول بمرارة: كيف ببلد يتم غزوه ومن ثم احتلاله بناء على شبهة، ثم يُعاني شعبه ما يُعاني، ثم تأتي الشركات وتمص دمه، إن بقي فيه شيء من ذلك.
ويذكر كنج، الخبير في أمور الطاقة في صحيفة وول ستيت جورنال، أن الوضع في العشر سنوات الأخيرة قد تحوَّل وبدأت تدخل شركات إلى عالم إبرام العقود لاكتشاف النفط وصناعته وتسويقه غير الشركات الأمريكية، فهنالك الهندية والصينية والماليزية والروسية.. أما كامل مهدي، الاقتصادي الأكاديمي بجامعة إكستر البريطانية، فيذكر أن الوضع المدمر في العراق يحتاج إلى بناء، ولقد استغلت الشركات النفطية منذ 1920 ولمدة خمسين عاماً نفط العراق وربحت منه أرباحاً مهولة، الشركات النفطية الحالية لا تحتاج إلى نفط العراق، وما يحتاجه العراق ينحصر في المساندة التقنية والإدارية وليس في حاجة إلى شركات متعددة الجنسيات لاستغلال نفطه.. أما لماذا العراق لا يسعى إلى تطوير نموذج خاص به، والجواب فيما يبدو يعود إلى الوضع السياسي والعسكري والأمني الذي يعيشه العراق.. فهل ينتظر العراق نهاية الاحتلال وخروج القوات الغازية وتبلور نظام سياسي واستقرار أمني قبل أن يكون في استطاعته تطوير نموذج وطني نفطي؟
ومن الأمور التي يجب ألا تغيب عن الذهن أن الشركات التي سوف تُرسى عليها العطاءات وتكسب توقيع العقود سوف تجابه إشكالية عملية تتمثَّل في الناحية الأمنية للعاملين من جيولوجيين ومهندسين ومستشارين، ولا بد أن تحل هذه المشكلة قبل أن تبدأ الشركات مزاولة أعمالها.. وتبقى مسألة تحتاج إلى تفسير، هل اجتماع الطاقة، السابق لغزو العراق، والممثل بشركات نفط عالمية له علاقة بما يحدث الآن من كون هذه الشركات بدأت ترى النور من خلال نهاية النفق المظلم؟
أستاذ الجغرافيا بجامعة الملك سعود
رئيس مجلس إدارة الجمعية الجغرافية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية