حتى تصل المملكة إلى العالمية والريادة في مجالات العلوم والمعارف، نحتاج أن نتخلى قليلاً عن نظام الحماية على مفهوم السعودة، ونطل من نافذة واسعة على العالم.. وإذا فكرنا فقط .
في سعودة بحوثنا ودراساتنا ومختبراتنا ومعارفنا فلن نتقدم إلى الأمام كثيراً، وسنظل في مساحة ضيقة جداً من الحركة والمناورة..
وأسوق هذا الكلام على خلفية من اعتراض البعض على جهد المؤسسات التعليمية في فتح المجال أمام علماء وباحثين من مختلف دول العالم لدعم مؤسساتنا البحثية والتعليمية في مجالات يمكن أن تحقق لنا الريادة والسمعة المتميزة بين جامعات العالم.. وقد سمعنا وقرأنا من يحاول الطعن أو السخرية من مثل هذه الجهود، ففد يرى البعض أن هذا الاهتمام والاستقطاب لباحثين وعلماء عالميين لن يقود إلى تطور البنية البحثية والمؤسسة التعليمية في بلادنا، ومن يقول: إن الصرف البحثي ينبغي أن يكون على كوادر سعودية فقط، فلا شك أن الصورة الكاملة تغيب عن مثل هذه الرؤية.. فلو بقينا على مثل هذا التوجه فلن يسمع بنا إلا أبناؤنا وبناتنا في جامعاتنا السعودية، ولن يعرف عنا أحد في جامعات العالم ومؤسساته البحثية المتميزة.. ومن هنا فإن مثل هذه الجهود التي بدأت من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومن جامعة الملك سعود ومن جامعة الملك فهد وغيرها من الجامعات الرائدة في بلادنا..
نحتاج أن نعطي هذا التوجه وقتاً كافياً، لأن ثمرات هذه التحالفات مع الجامعات والمؤسسات البحثية المتميزة في دول العالم يحتاج إلى وقت حتى نقطف ثماره على كافة المستويات.. ومن يحاول أن يوقف أو يشكك في جدوى هذا التوجه فعليه فقط أن ينتظر قليلاً.. وإذا نظرنا إلى جامعات وطنية في دول مثل اليابان وسنغافورة ونيوزيلاندا وماليزيا سيجد أنها من خلال مثل هذه التحالفات استطاعت أن تقفز إلى العالمية والريادة على مستوى العالم.. ولو سمعت هذه الجامعات أصوات داخلية كانت تناديها بوقف هذه التحالفات، لبقيت تلك الجامعات على ما كانت عليه قبل عشر أو عشرين عاماً من الآن..
وإذا أخذنا على سبيل المثال الجامعة العربية، رغم حداثة سنها التأسيسي مقارنة بجامعات عالمية لها قرون، لوجدنا أنها استطاعت أن تقفز إلى العالمية من خلال سلسلة تحالفات بينها كمؤسسة تعليمية وبين أعضاء هيئة تدريسها مع جامعات عالمية، وقد أفرزت هذه التحالفات تقدم هذه الجامعة وغيرها من الجامعات الآسيوية في التصنيفات العالمية. فقد حققت سياساتها في دعم جامعاتها الوطنية على أسس من التحالفات العالمية نجاحاً كبيراً أوصلها إلى تصنيفات متقدمة على مستوى أفضل خمسين أو مائة جامعة في العالم أو أفضل مائتي جامعة في العالم..
إن الجهود التي تقوم بها مؤسسات التعليم العالي في بلادنا خلال هذه الفترة الراهنة هي صناعة تاريخ جديد لمؤسسات التعليم العالي في المملكة. ولهذا فإن هذه التجربة يجب أن تجد الدعم الرسمي -كما هو قائم الآن- وتجد التشجيع من أعضاء هيئة التدريس ومن القائمين على مؤسسات التعليم العالي..
وبعيداً عن فكرة التوطين، فيجب أن نفكر في حالة جديدة من الفكر العولمي الذي سيقودنا بمشيئة الله تعالى إلى تطوير مؤسساتنا التعليمية ومراكزنا البحثية إلى آفاق جديدة من التعاون والتحالف مع أفضل العقول والخبرات العالمية، حتى نستفيد منها، ومن خلالها إلى الوصول إلى مصاف الريادة العالمية. ومن المعروف طبعاً أن هناك أسماء عالمية كمؤسسات أو علماء أو باحثين يقودون التعليم الجامعي في العالم، فارتباطنا بهذه الأسماء من شأنه أن يرتقي بسمعة مؤسساتنا إلى مستويات دولية.. وللتوضيح فقط في مجال من المجالات المعروفة -وهي الرياضة، وخصوصاً كرة القدم - فإن وجود لاعب دولي يلعب في نادٍ من الأندية الرياضية من شأنه أن يلفت انتباه الرياضة والكرة العالمية إلى هذا النادي السعودي، إضافة إلى وجود لاعب دولي سيعطي ثماره في خبرات ينقلها إلى اللاعب السعودي، وكذلك سيرتقي بمستوى الرياضة السعودية إلى مستويات إقليمية ودولية..
ونفس الشيء يمكن أن يقال: إن فكرة التحالفات بين الجامعات والمؤسسات البحثية في المملكة من شأنه أن يعزز من التطور في الخبرات السعودية الداخلية، ومن شأنه أن يرتقي بمستوى مؤسساتنا البحثية والتعليمية في بلادنا.. كما سيلفت انتباه المجتمع التعليمي والبحثي في العالم إلى جامعاتنا ومراكزنا البحثية ومن شأن ذلك أن يرتقي بها إلى مصاف الريادة والعالمية..
وأخيراً يجب التوضيح أن برامج التطوير في جامعاتنا لم تقتصر على برامج التعاون والتحالفات الدولية، بل إنها تمتلك برامج تطوير في كافة المجالات، بما فيها برامج محلية من شأنها أن تعزز البحث الوطني، وترتقي بعضو هيئة التدريس السعودي، وتبني شراكات مع القطاعات الخاصة، وتؤسس وعياً وطنياً كبيراً في أهمية الارتقاء بمخرجات الجامعات في بلادنا. ولهذا فإن عمليات التغير والتطور القائمة في جامعاتنا وفي مقدمتها جامعة الملك سعود -صاحبة ريادة بين الجامعات السعودية في كثير من برامج التطوير الجديدة- كانت شاملة على كافة جبهات التغير، ولم تقتصر فقط على تطوير علاقاتها وتعاونها بالجامعات الخارجية.. فالتغير هو حزمة متكاملة من مختلف البرامج، وبرامج التطوير المختلفة تساند بعضها البعض في هذه المرحلة التي نشهد فيها صناعة تاريخ جديد لمؤسسات التعليم العالي في بلادنا..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa