Al Jazirah NewsPaper Friday  04/07/2008 G Issue 13063
الجمعة 01 رجب 1429   العدد  13063
(إجازة) لا (جنازة)
السفر للخارج.. سياحة مشروعة ومحاذير ممنوعة

الجزيرة- خاص

تستعد كثير من الأسر هذه الأيام للسفر خارج البلاد لقضاء الإجازة الصيفية، بدعوى الاستجمام، والترويح والترفيه للأبناء بعد سنة دراسية وقد تكون الوجهة إلى دول عربية أو إسلامية، وقد تكون لدول غير إسلامية، وأثبتت السنوات الماضية مدى مخاطر السفر عموماً وخصوصاً إلى الدول غير الإسلامية حيث الانفتاح وما يتبع ذلك من الوقوع في المحرمات، والمخالفات الشرعية التي تتنافى مع الإسلام، وآدابه وأحكامه، وقد أجاز الشارع الحكيم السفر للضرورات كطلب العلم، والدعوة إلى الله، والعلاج، وطلب الرزق، ومنع السفر لغير ذلك حفاظاً على دين المسلم وعقيدته وأخلاقه ومن ذلك السفر لأجل أمر محرم للهو والفساد، وارتكاب المعاصي، والفواحش، والمحرمات، وهي أمور تضر بالصحة والدين وتجلب غضب الله تعالى، والتعاسة والأمراض الخطيرة، وغير ذلك.

في ظل ذلك وإصرار كثير من الأسر والشباب خصوصاً على السفر للخارج، يقدم مجموعة من الأكاديميين في العلوم الشرعية والتربوية النصيحة للجميع، كما يسلطون الضوء على الآداب التي وضعها الإسلام للسفر من أجل حماية المسلم من الأخطار والأضرار التي قد تواجهه في السفر.

ترف أم ضرورة؟

في البداية تقول الدكتورة مها بنت محمد العجمي (أستاذة المناهج وطرق التدريس بكلية التربية للبنات بالرياض): وإن مما بلي به بعض الناس في وقتنا الحاضر السفر إلى الدول الأجنبية والتخلي أثناء ذلك عن كثير من الأخلاق والآداب والمبادئ بل والأحكام الشرعية، إن هذا من البلاء والشر والفساد، ولن يصلح حال الأمة وكثير من المسلمين يتجهون صوب الغرب ويتنازلون عن كثير من مبادئ الإسلام، وإن الإنسان ليعجب لكثير من القصص والحكايات التي تروى عن بعض العوائل التي تسافر إلى هناك، وكأن السفر ضرورة من الضروريات الحياتية والمعيشية.

وفي زمننا هذا المتضخم بالترف المادي والجفاف الروحي أصبح السفر ظاهرة جديرة بالاهتمام والتذكير بالآداب والضوابط الشرعية، فقد قسم علماء المسلمين السفر إلى قسمين، أسفار مباحة وهي مفيدة، وأسفار محرمة وهي ضارة، أما الأسفار المباحة فهي التي يقصد بها السياحة والراحة والاستجمام أو العلاج أو التجارة وغيرها، وهي أسفار تعود على صاحبها بالخير والفائدة، ومن الحث اللطيف على السفر النافع والمفيد قول الثعالبي رحمه الله " من فضائل السفر أن صاحبه يرى عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار مايزيده علما بقدرة الله تعالى ويدعوه شكرا على نعمه).

أما الأسفار المحرمة أو المكروهة فهي التي تضر بالصحة والدين ومنها السفر من أجل محرم للهو والفساد وارتكاب المعاصي والفواحش والمحرمات، وهي أمور تضر بالصحة والدين وتجلب غضب الله والتعاسة والأمراض الخطيرة، وإن السفر لبلاد تنتشر فيه المعاصي والمنكرات سواء أكانت دولاً إسلامية أو غير إسلامية فيه أخطار ومحظورات منها: الجلوس في أماكن اللهو والمعصية وعدم الإنكار على أهلها، نزع الحياء وخدشه بما يراه من مشاهد فاتنة ومناظر مخجلة، وإضاعة للمال الذي ينفقه مثل هؤلاء وينتفع به غير المسلمين.

آداب منطقية وعلمية

لهذا وضع الإسلام آداباً للسفر - والكلام للدكتورة مها العجمي - وهدف هذه الآداب حماية المسلم من الأخطار والأضرار التي قد تواجهه في السفر، وهي آداب منطقية وعلمية تعود على الفرد والمجتمع بالخير والعطاء:

1. الإخلاص لله وحسن المقصد وشرف الغاية ونبل الهدف، التماس الوصية والدعاء من أهل الصلاح والفضل، توخي المرافق المطاوع الموافق الذي يدلك على الله مظهره ويذكرك إن غفلت مخبره والحرص على أدعية السفر فهي حصن حصين وكافية واقية.

2. ينبغي ألا يسافر المسلم إلى بلاد يقل فيها الالتزام بتعاليم الإسلام وآدابه وتتراجع فيها مظاهر الحياة الإسلامية حتى تنعدم أو تكاد، حتى لايعود من سفره وقد جرح إيمانه وخدش دينه وتراجع التزامه وعبادته وتقواه.

3. يجب على المسلم أن تأخذ طبائع الإسلام جميع تصرفاته أثناء سفره خاصة لدول الغرب، ويحرص على أداء شعائره الدينية والتعامل مع الغير بموجب تعاليم وتربية دينه حتى يكون مؤثراً فيهم، لأن بعض النفوس جوهرها جيد وتنجذب مع حسن التوجيه ووجود النموذج الحسن، ويقول أحد المستشرقين: لو طبق المسلمون شعائر دينهم وحرصوا عليها لانقادت أوروبا وأمريكا للإسلام، فالمسافرون من المسلمين لتلك البلاد بأخلاقهم وسلوكهم المستمد من الإسلام هو خير من يحمل راية الدعوة إلى دين الله بالعمل والقدوة لابالحديث والخطابة، فقد يكون ذلك الحديث مخالفاً للعمل والله سبحانه وتعالى يقول: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

4. أن يكون حريصاً على التطبيق، فيجد عند من سافر إليهم أخلاقاً وآداباً يحبها الإسلام ولكن بعض المسلمين يتساهل فيها مثل: الصدق في القول، وحفظ العهود، والوفاء بالمواعيد، وحب الصدقات والتبرعات، والمحافظة على أنظمة الدولة وممتلكاتها، إلخ، وروي عن شيخ الأزهر الإمام محمد عبده عندما كان مقيما في فرنسا لما سئل ماذا رأيت في دول الغرب؟ قال: رأيت عندهم إسلاماً بلا مسلمين، ورأيت في بلادي مسلمين بلا إسلام!

5. على المسلم أن يتحصن بتعاليم الإسلام والتي تنجيه من شرور عديدة: كالجريمة التي لايتعرض لها إلا صاحب المسلك المشين، الأمراض الجنسية الخطيرة وفي مقدمتهم الإيدز والهربس والسلس وغيرها والتي لا تأتي الإنسان إلا من ارتكاب الفواحش، وأمراض الكبد والسرطان وخلل الخلايا التي لاتأتي الإنسان إلا مع تعاطي المخدرات وشرب الخمور والتدخين وغيرها من أمور تنعكس على الفرد وأسرته ثم مجتمعه، وفيها ذهاب للنفس والمال، فتعاليم الدين الإسلامي التي حرمت هذه الاشياء أعطت الإنسان حصانة تحميه بإذن الله في نفسه وأسرته ومجتمعه صحياً ونفسياً وتحفظ له ماله فلا يضيع هدرا.

بدائل الإجازة

وقدم د. العجمي بدائل عن السفر للخارج خاصة للشباب الذي سوف يعاني من الفراغ خلال العطلة الصيفية والذي يمتد إلى أكثر من ثلاثة أشهر وهي حق لهم أن يقضوها فيما ينفعهم وينفع مجتمعهم ومنها:

1- الاشتراك في مدارس تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في المساجد.

2- المراكز الصيفية المنتشرة في أنحاء المملكة، ففيها يقضي معظم الشباب أوقاتهم بين دروس علمية وأنشطة ثقافية ورياضية ورحلات سياحية إلى مدن المملكة وغير ذلك من الأنشطة التي تصون هذا الجيل من الانحراف وتحمي أبناء المجتمع من الضياع.

3- أداء العمرة لبيت الله الحرام والبقاء بمكة جزءاً من العطلة لقراءة القرآن والطواف بالبيت والإحسان إلى فقراء الحرم، وكذلك الذهاب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي والصلاة فيه.

4- تشجيع السياحة الداخلية فهناك مناطق في المملكة أنعم الله عليها بالمناظر الجميلة والهواء العليل وبها يزدهر اقتصاد بلادنا ونتعرف على بلادنا أكثر.

إن أولادنا أمانة في أعناقنا في السفر وغيره ولابد من حمايتهم من ضياع الوقت وانحراف العمل والسلوك، فلابد من تفقدهم في كل وقت ومنعهم من معاشرة ومصاحبة من يخش عليهم منه الشر والفساد، فإننا مسؤولون عنهم وعلى إهمال رعايتهم وتأدبهم ومعاقبون على ذلك، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

الضوابط الشرعية

وتشير الدكتورة منى بنت حمد العيدان الأستاذة بكلية التربية للبنات بالأحساء: إننا نعيش - بفضل الله - في هذه البلاد المباركة في أمن وأمان وطمأنينة واستقرار، حتى أننا قلما نجد منكراً ظاهراً، وذلك لوجود رجال الدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمدعومين من ولاة أمر هذه البلاد - حفظهم الله - كما ونجد كثيراً من أبناء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تهفوا أنفسهم لزيارة هذه البلاد والإقامة فيها، لما يجدونه فيها من خير في دينهم ودنياهم، ولكن مع الأسف إننا لنعجب من أقوام - شباب وشيبان - لا هم لهم سوى السفر خارج هذه البلاد إلى بلاد غربية وشرقية لا تكاد تجد للإسلام فيها أثراً والإقامة هناك مدة شهر أو شهرين.

هذه الفئة تساوم بما هو أغلى من الذهب.

وهل هناك ما هو أغلى من الذهب؟!

نعم إنه الوقت، فالوقت هو الحياة وكفى!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) صحيح الجامع.

كم من أمم بأسرها سقطت وهوت لما استخفت بالوقت واستهلكها الفراغ وعمت في أرجائها البطالة، قال الحسن البصري رحمه الله، حياة المؤمن والمؤمنة ليس فيها إجازة بل كلها طاعة وعبادة لله رب العالمين: (الدنيا ساعة.. فاجعلها طاعة)، النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية).

فالسياحة والسفر - وللأسف - مفهوم قلب في هذا العصر عن حقيقته وعمي عن مقاصده، فالسياحة في القرآن والسنة بمعنى: الصيام، وطلب العلم، والجهاد في سبيل الله، وتأتي بمعنى الخروج للدعوة إلى دين الله، والفرار من الفتن لعبادة الله، ولطلب كل ما يقرب إلى الله، قال الله تعالى: {الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ} ولكن هذا المفهوم قد أخذ في عصرنا الحاضر منحى آخر ومفهوما مغايراً: فالسياحة والسفر في عرف كثير من الناس اليوم عبارة دالة على: الترويح عن النفس، والخروج من القيود الشرعية والعرفية، والانفتاح العالمي في التمدن والترفيه، والتعرف على البلدان والثقافات والآثار، وإعطاء النفس خلال الإجازة كل ما تشتهيه من منظور أو مسموع أو مطعوم ولو كان من المحرمات، ولهذا المفهوم الكثير من المضار التي لا تخفى على أحد منها على سبيل المثال لا الحصر:

1. التعرض لكثير من المطاعن العقدية بكثرة طرح الشبه مع ضعف العلم وقلة السؤال مما قد يتسبب بتشكيك المرء ببعض المعتقدات الإسلامية.

2. ذهاب بعض المسافرين إلى الكهنة والعرافين والسحرة والمشعوذين وقراء الكف المأذون لهم بالعمل هناك جهاراً ونهاراً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد.

3. التهاون بأداء الصلاة فالمؤمن قوي بإخوانه فمتى ما بعد عنهم فقد يضعف ويتساهل بأداء الواجبات.

4. إطلاق النظر وصعوبة غضه بسبب انتشار السفور وكشف العورات، قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.

5. تساهل بعض المسافرين بدخول المراقص والملاهي التي يُعصى فيها الرحمن وتدار فيها كؤوس الخمور مع رقص الفاتنات.

6. سهولة الحصول على المخدرات والمسكرات، خاصة أن بعض الدول تأذن ببيعها في أماكن خاصة وفي ذلك ما لا يحصى من الأضرار البالغة.

وبما أن السفر ينقسم إلى ثلاثة أقسام من ناحية الحكم الشرعي وهي: الأول: السفر لطاعة: كالسفر لأداء مناسك الحج أو العمرة أو الجهاد أو صلة الرحم أو زيارة مريض ونحو ذلك، والثاني: السفر لمعصية: كالسفر لارتكاب المحرمات أو سفر المرأة بدون محرم أو شد الرحال لزيارة القبور، والثالث: السفر المباح: كسفر التجارة والنزهة والسياحة والصيد وغيرها.

آداب السفر المباح

وتكشف د. منى العيدان آداب عديدة للسفر المباح منها ما يكون قبله أو أثناءه، ومنها:

1. الاستخارة: فيشرع لمن يريد سفراً أو غيره مما له بال أن يصلي ركعتين ويدعو بدعاء الاستخارة.

2. التوبة وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة إقامة وسفراً، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31)سورة النور.

3. قضاء الدين: كثير من الناس في هذا الزمان يستدين ويثقل كاهله بالأموال، ليسافر ويتنزه بينما الواجب أداء الدين وإبراء الذمة منه لا زيادته.

4. أن يترك المسافر نفقة لأهله، فنفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج بلا نزاع فلا يحل له التفريط فيها.

5. أن يتخير المرء الصحبة الصالحة ولا يسافر وحده: فمن سافر وحده خاصة للبلاد التي تنتشر فيها المحرمات فإنه عرضة للوقوع فيها لذا لا بد من اختيار الصحبة الصالحة التي تعينه على الطاعة وتبعده عن مواطن الشبهات والشهوات.

6. توديع الأهل وخاصةً الوالدين: فعلى كل من يريد السفر أن يستأذن والديه قبل سفره فإن أذنا سافر وإلا ترك السفر.

7. أن يقول دعاء السفر: وهو الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفرٍ كبّر ثلاثاً ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنّا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل)، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) رواه مسلم.

8. أن يكثر من الدعاء في السفر: فالسفر موطن من مواطن إجابة الدعاء فعلى المسافر استغلال هذه الفرصة بالدعاء له ولوالديه وذريته وذوي رحمه والمسلمين بدعوة لعلها توافق ساعة استجابة فيفوز بخيري الدنيا والآخرة.

9. إذا كان المسافرون جماعة أمّروا أحدهم وأطاعوه في غير معصية: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم) رواه أبو داود.

10. التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة أثناء السفر:

السائح المسلم..!

ويؤكد الدكتور عبدالرحمن بن

زيد الزنيدي (أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض): أن السياحة مطلب نفسي سواء في تغيير المكان الذي لابسه الإنسان شهورا متواصلة، أو الشعور بالانطلاق بعد عام دراسي رتيب.

والإسلام دين الفطرة، فلم يحجر على أتباعه ليبقوا أحلاس أماكن محددة، بل إنه وجه إلى شيء من السياحة: (قل سيروا في الأرض..) (فامشوا في مناكبها..).

* الاعتبار في الإسلام في أمر السفر والسياحة إنما هو لأهدافه وطبيعته، فقد يكون مشروعاً إذا كان لدعوة أو طلب علم أو كسب حلال، واستقام فيه المسلم على منهج الدين في حركته، وقد يكون مباحاً إذا كانت أهدافه مباحة ولم يتضمن مخالفات شرعية، وقد يكون حراما إذا كانت أهدافه محرمة، أو كان سبيلا للوقوع في المحرم كأسفار اقتناص اللذات الفاسدة وتعاطي المحرمات.

* هناك أناس لديهم تصورات وهمية حيث يتصور بعضهم أن مغادرته لبلده المحافظ يعني إمكانية انفلاته من الدين معتبراً ذلك نوعا من التحرر الوقتي من ضغط المجتمع المحافظ وبعضهم يتلاعب به الشيطان أنه بإمكانه أن يغرق في الآثام خارج بلده؛ خمراً، ونساء، وبلاء، واستهتاراً، ثم يكفيه أن يمر مكة معتمراً لمحو كل تلك السوابق، وهكذا يكرر كل مرة، وهذا سوء فهم للدين وللتوبة النصوح، بل فيه خداع لله والعياذ بالله.

* إن الإسلام لباس للمسلم في كل أحواله وظروفه، وإذا كان للإنسان أن يتبسط حينما يكون مع أهله أو أصدقائه أكثر مما هو عليه في المشهد العام، فإن ذلك لا يعني اختراق الآداب الإسلامية والولوغ فيما لا يليق بالمسلم أن يمارسه.

* لهذا فإن هناك آدابا ينبغي أن يتحلى بها المسافر والسائح المسلم أيا كان الموقع الذي هو فيه داخل بلده أو خارجها. منها المحافظة على الشعائر التعبدية وعدم التكاسل عنها أو تأخيرها عن أوقاتها، الارتباط بالأخيار الصالحين أقارب أو أصدقاء حتى لا يتفرد به الشيطان فيهوي به، أن يبتعد عن الأماكن المشبوهة كالحانات، وأوكار الدعارة والمجون، التزام السمت الإسلامي الأخلاقي في تعامله مع الناس مسلمين وغير مسلمين، تجنب مواقع الريبة في عالم صار المسلم فيه معرضا لاتهامات التطرف والإرهاب، ومنها أن يصطحب مصحفا وكتيبات للقراءة، والإمتاع الفكري، حتى لا تطغى عليه المتعة الجسدية.

وأن من مهمة المسلم في أي وقت ومكان الدعوة إلى الله، والنصح للخلق بحسب استطاعته، وبحسب الظروف التي يكون فيها، المهم هنا هو:

أولا: تحري المصلحة في قيامه بهذه الشعيرة، بحيث لا يترتب عليها مفسدة أعظم سواء على المستوى الشخصي؛ من قبل من يدعوه أو على المستوى الاجتماعي.

ثانيا: أن يلتزم بمنهج الإسلام في التعامل مع الناس والقيام بدعوتهم، والنصح مع المسلمين، وغير المسلمين، والله يقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا).

ومن الحكمة أن لا يدخل المسلم نفسه في قضايا ليس لديه فيها علم وبينة بما يجعل النتيجة عكسية، وإثارة للفتنة، وقد تكون صدا عن الحق.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد