الرياض - خاص بالجزيرة
أكد الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان وكيل وزارة الشؤون الإسلامية المساعد، أن الإسلام دين التسامح والتعايش مع الآخرين، ونبذ العنف والتطرف، ولقد تعايش المسلمون مع اليهود والنصارى، وحافظوا على معتقداتهم، كما أن الإسلام كفل حرية الاعتقاد لكل إنسان، ولا يعني هذا إقرار الضالين على ضلالتهم، إنما يعني ترك كل محاولات الإكراه والإجبار على تغيير المعتقد، أو الدين، أو المذهب، ولم يثبت في تاريخ الإسلام أن مارسوا الإكراه على الدين مع غير المسلمين، باعتراف مفكرين ومستشرقين غربيين، كما لم يحاولوا استغلال حاجات الفقراء من أتباع الديانات الأخرى لإجبارهم على الإسلام.
وبين الدكتور اللحيدان أن الدعوة للحوار أمر من مقاصد الإسلام، فقد دعا القرآن الكريم للحوار مع الآخرين، وجدالهم بالتي هي أحسن.. جاء ذلك في حوار (الجزيرة) مع د. عبدالله اللحيدان.. وفيما يلي نصه
* الإسلام دين التسامح والوسطية والاعتدال، وأن هذا منهجه، ولم يثبت أن أكره غير مسلم على الدخول في الإسلام، ورغم ذلك فإن أعداء الإسلام يحاولون تشويه هذه القيم والمفاهيم فكيف تنظرون إلى هذه الأباطيل؟
- نعم، الإسلام دين التسامح بحق، لقوله تعالى:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، ولقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصبح اليهود جزءاً من رعايا الدول الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، ولم يجبرهم على ترك دينهم، واعتناق الإسلام، بموجب الوثيقة التي وقعا الرسول عليه السلام حال وصوله للمدينة، والتسامح في الإسلام يعني العفو والتجاوز، ولا يعني الضعف أو المداهنة، بل إن التسامح يعني الاعتراف بالاختلاف، ولكنه يمنع هذا الاختلاف من التطور إلى محاولات الإلغاء، ولكن ليؤدي قبوله إلى التعايش السلمي المشترك.
* وما هي حدود التسامح في الإسلام؟
- للتسامح حدود، فهو لا يعني الخضوع والاستسلام للعدوان، بل أذن للمسلمين برد العدوان، يقول تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، ويقول تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}.
*هناك من يربط بين ظهور بعض التطرف والغلو من الفئة الضالة وبين الإسلام؟
- التطرف والإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر على دين أو قومية أو شعب، وهو أمر مرفوض شرعاً، والتطرف الذي يعيشه بعض أبناء المسلمين اليوم يعود لأسباب دولية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وعلى المستوى الفكري فإن عدم نشر مفهوم التسامح وقيمه في الإسلام هو أحد أسباب التطرف، وهذا التطرف وعدم التسامح سيؤدي إلى التنفير من دين المحبة والسلام، ويؤدي إلى صراعات لا تنتهي بين المجتمعات المسلمة وغيرها من المجتمعات.
* وما هي أبرز مظاهر التسامح في الإسلام؟
- هناك العديد من مظاهر التسامح في الإسلام منها:
أولا: أن الإسلام أعلى من شأن الإنسان، وكرم بني آدم، ووضعه في المكانة العالية، وحافظ على روحه وحياته وممتلكاته، ولم يعرف في الفتوحات الإسلامية حروب إبادة، أو تنقية عرقية، وكان الشعوب تدخل في الإسلام طواعية، ولولا الفتح الإسلامي للأندلس لتم استئصال اليهود الذين كانوا يتعرضون إلى مصائب وويلات، والإسلام يكرم الإنسان بصفته الإنسانية، بصرف النظر عن دينه ولونه.
ثانياً: عدم الإكراه في الدين، لقد كفل الإسلام حرية الاعتقاد لكل إنسان، ولا يعني هذا إقرار الضالين على ضلالهم، وإنما يعني ترك كل محاولات الإكراه والإجبار على تغيير المعتقد، أو الدين، أو المذهب، قال تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، ولم يعرف أن المسلمين أجبروا شعبا في الدخول في الإسلام، فاليهود والنصارى والزرادشت الذين لاقوا صنوفاً من التعصب الديني، وفظاعة في التعامل معهم، سمح لهم في ظل الإسلام بممارسة شعائرهم، وترك لهم المسلمون بيوت عبادتهم، وأديرتهم، وكهنتهم، وأحبارهم.
* هناك من يقول أن المسلمين لم يتسامحوا مع غير المسلمين في أداء شعائرهم؟
- هذا غير صحيح، فلم يثبت في التاريخ الإسلامي أن المسلمين مارسوا الإكراه على الدين غير المسلمين، وهذا ما أكده (غوستاف لويون) عندما قال: (فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم).. وأوضح ذلك توماس أرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام)، حيث قال لم يعرفوا في تاريخ الإسلام الطويل أنهم ضيقوا على اليهود أو النصارى أو غيرهم من اتباع الديانات الأخرى، أو أنهم أجبروا أحداً على اعتناق الإسلام، ولم يحاول المسلمون استغلال حاجات الفقراء من أتباع الديانات الأخرى لاجبارهم على الإسلام.
* وماذا عن موقف الإسلام من الحوار؟
- الإسلام بين أن تعدد الثقافات الإنسانية، واختلاف الناس أمر من مقاصد الخلق، فالاختلاف لا يؤدي إلى الاقتتال، إذ ليس عدم الدخول في الإسلام مبيحاً لقتل غير المسلم أو المخالف من المسلمين، وإزهاق روحه، أما التنوع في الأعراق والألوان واللغات فهو للتعارف وتبادل الأفكار والخبرات، ولقد أصبحت الثقافة الإسلامية غنية بفعل الاحتكاك بالشعوب الأخرى.. والحوار في الإسلام أمر ضروري.
* كيف يمكن تعميق مفاهيم الوسطية لمحاربة التطرف؟
- الوسطية هي منهج الإسلام }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، والإسلام وسط في النظرة إلى الحياة في الماديات، والاقتصاد، وفي الملكية الفردية، وفي العبادات، والوسطية تحقق التوازن الذي هو الناموس الذي يضمن الاستمرارية، فعلى مستوى الفرد إذا اختلت التوازنات داخل الجسم البشري حدث المرض، ولقد حذر الإسلام من المغالين في العبادات، والمتنطعون في الدين، وتمسك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح بالوسطية والاعتدال في مواجهة الخوارج الذين حاولوا تحويل الدعوة إلى محاكم تفتيش تقوم على التكفير، وإباحة الدماء والأموال، وما يناقض وسطية الإسلام، ولذلك على المؤسسات العلمية والدعوية، والجامعات، والمنظمات الإسلامية، التعاون الصادق مع الجهات الحكومية لمحاربة الفكر المتطرف والإرهابي، والتأكيد على مفاهيم التسامح في الإسلام، ومظاهر هذا التسامح، لأن الإسلام أعلى من قيمة الإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه، وقرر مبدأ }لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} مما جعل اتباع الديانات الأخرى يعيشون في ظل الإسلام بأمن وأمان على حياتهم ودينهم.