تحليل - د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم الأسبوع الماضي عند 9468 نقطة خاسراً حوالي 114 نقطة، وقد استمر المسار الهابط الذي ابتدأه المؤشر يوم الأربعاء قبل الماضي كاستجابة للهبوط العام في البورصات العالمية نتيجة اضطراب أسعار النفط التي لامست مستوى الـ 142 دولار للبرميل لأول مرة في تاريخها.. ورغم أن الهبوط في البورصات العالمية حدث لفترة وجيزة، فقد خسر السوق السعودي في يومين فقط نحو 418 نقطة.. ولعل سلوك السوق يتشابه إلى حد ما مع العديد من البورصات الآسيوية التي توصف بالساخنة دائماً أو ذات الاستجابة الأعلى من استجابة بورصات مصدر الأزمات كالأمريكية.. ويرجع ذلك إلى أن جزءاً كبيراً من تداولات هذه البورصات الآسيوية يقوم على المضاربات، التي تنكشف حال حدوث مثل هذه الأزمات..
ومن جانب آخر، بدأ يسود مجتمعات المتداولين نوع من القلق ليس لهبوط هذا الأسبوع فقط، ولكن لتراخي قوة عزم المؤشر خلال ثلاثة الشهور الأخيرة، بشكل بدأ الكثير منهم يقلب أوراق الماضي القريب ليتدارك هل أحداثه كانت في صالح السوق أم ضده؟ ومن جانب ثالث، ورغم حالة القلق بين المتداولين فإنهم يكادون يتفقون حول أن السبيل الوحيد للاستفادة من السوق في ضوء تراخي مؤشره هي الإمساك بطريق الاستثمار وعدم الاعتماد على المضاربات فقط.. ونسعى هنا لتوضيح ماهية ومصادر قلق المتداولين وكيف أجبرتهم هيئة السوق على التحول على مستثمرين؟
مصادر قلق المتداولين حول السوق:
رغم حالة الهدوء النسبي التي يشهدها السوق منذ عام تقريباً، والتي أدت إلى ركون مؤشره إلى مستوى ما بين 8500 إلى 9800 نقطة تقريباً، إلا إن حالة من عدم القبول بدأت تحيط بمتداوليه، ليس لخسائر تلحق بهم وليس لمخالفات مضاربين وليس لمخالفات شركات أسهم كما في الماضي، ولكن هذه المرة لحالة إحباط أو عدم رضا عن أطراف جديدة فاعلة بالسوق، أهمها الشركات المالية الجديدة، وأيضاً العديد من قرارات الأطروحات الجديدة، فضلاً عن بعض حالات السكوت الملحوظة لهيئة السوق على العديد من تفاعلات السوق التي تتطلب تدخلاً أو تعليقاً.
والتقارير الكثيرة والمتعددة للشركات المالية الجديدة تارة توصي بالخروج صراحة وتارة أخرى توصي بالدخول، وبالفعل يأخذ المتداولين بهذه التوصيات ليس لقناعتهم وثقتهم بها بقدر ما يأخذون بها لأنهم يعلمون بأن النسبة الغالبة من المتداولين ستأخذ بها، وبالتالي فإذا لم تصدق التوصية بالواقع المالي، فإنها ستصدق بسير القطيع.. والنتيجة الحتمية نوع من الخداع، مثلاً حدث مع سهم زين مؤخراً.. أما الأمر الثاني المقلق للمتداولين، فهو الأطروحات الجديدة، فالكثير من المتداولين يعترض على طرح الشركات الفردية الصغيرة، وخاصة أن إضافة علاوة إصدار عليها أصبح القاعدة وليس الاستثناء، بداية فهي شركات صغيرة والكثير يعلم أنها قد لا تضيف للاقتصاد الوطني بقدر علاوة إصدارها، وخاصة مع انتشار أطروحات محلات التجزئة.. أما الأمر المثير، فهو تدخل الشركات المالية من خلال بناء سجل الأوامر لإنجاح عملية الطرح مهما بلغت علاوة الإصدار.. والجميع بدأ يلمح أن هذه الأسهم التي تطرح بعلاوات إصدار مرتفعة تصبح مثاراً للمضاربات الشديدة خلال أيام طرحها الأولى كمن يرغب عنوة في تعويض اكتتابه في سهم يعلم أنه أعلى من قيمته كثيراًَ.. وهنا يثار التساؤل: لماذا تم الموافقة على الطرح أساساً؟ والحل هنا يكمن في إمكانية تخصيص الهيئة الأسهم التي تصدر بعلاوات إصدار مرتفعة تكون للشركات المالية فقط إذا كانوا يرغبون فيها، بدون الأفراد.
أما الأمر الثالث، فهو غياب المتحدث الرسمي لهيئة السوق، ذلك المتحدث المهدئ من روع السوق في حالة غليانه أو المنشط له في حالة ركوده.. هذا المتحدث متواجد في كل أسواق العالم، ذلك المتحدث الذي يتفاعل مع مجريات الأحداث الثمينة، ذلك المتحدث الذي يتفاعل مع إحباط قوي نتيجة حدث مفتعل، ذلك المتحدث الذي يوضح لماذا الهيئة فعلت ذلك ولماذا فعلته بهذا الشكل؟
هل بدأ عصر الاستثمار بالسوق؟
لا يمكن أن تكون الإجابة بنعم على الإطلاق، ولكن يبدو أنه بالفعل قد بدأ عهد جديد للاستثمار الجزئي أو النوعي أو ما يمكن أن نسميه بالاستثمار حسب الحاجة.. فالمؤشر أصبح مستقراً، وأصبح يشار إليه عند المضاربين بالمؤشر الرتيب، أي يقصودون العاصي على مضارباتهم.. فحجم التلاعب بالمؤشر أصبح ضيقاً، وإمكانية التلاعب بالأسهم أصبحت قاصرة على أسهم بعينها، مثل أسهم التأمين على سبيل المثال.. وعليه، فإن تطلع كبار المضاربين إلى الأرباح غير العادية أجبرهم على التفكير بطريقة مزدوجة، فهم مضاربون وقناصون كعادتهم، ولكن بجانب ذلك بدأوا يفكرون بطريقة استثمارية لكي يقتنصوا أيضاً أرباحاً غير عادية نتيجة تفوقهم بإدراك فرص استثمارية نتيجة مستجدات في السوق المحلي أو العالمي، ولعل تحركات كيان وبترورابغ وزين والنقل البحري من أكبر الأدلة على ذلك.
القطاعات الجاذبة
السوق صعد خلال العام الأخير بنحو 35%، من خلال الصعود القوي لقطاعات البتروكيماويات والنقل والبناء والتشييد.. لذلك، وهذه القطاعات قد استهلكت ربما الصعود الاستثماري المطلوب منها.. هنا يسأل البعض حول طبيعة صعودها المستمر حتى الآن؟ بالطبع للمضاربات دور كبير فيها.. إلا إنه مع ذلك، فإنه داخل قطاع البتروكيماويات ذاته يوجد جدل واسع حول الإقبال على كيان والإقبال على بتروابغ مثلاً. ومن جانب آخر، فإن قطاعات أخرى كالاتصالات لم تستجب بالشكل الكافي ولولا تحركات سهم زين ربما لخرج القطاع خاسراً هذا العام.. أما قطاع التطوير العقاري، فيعتبر من أكثر القطاعات اضطراباً، وهذا الاضطراب يرجع لمخاوف استثمارية في حقيقتها لأن هناك مخاوف حقيقية من انحسار طفرة القطاع العقاري، فضلاً عن مخاوف التوتر السياسي في المنطقة التي تعتبر أكثر تأثيراً على مثل هذا القطاع من غيره.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com