Al Jazirah NewsPaper Friday  04/07/2008 G Issue 13063
الجمعة 01 رجب 1429   العدد  13063
إنما الأعمال بالخواتيم
د. محمد بن سعد الشويعر

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه حسن الخاتمة، ويحث على ذلك، وباب التوبة فتحه الله واسعاً إلى يوم القيامة. ويقول: (لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون، ثم يستغفرون الله فيغفر لهم).

ولقد اطلعت في الجزيرة على تعقيب آل حمد على مقالي عن (ابن سينا، وما ذكره عن مساوئه ثم نقل آراء العلماء في أصحاب البدع..

..وأبدأ معه بقولي: لعله يا أخي غير خافٍ عنكم موقف رسول الله صلى الله

عليه وسلم مع أسامة بن زيد لمّا قتل مشركاً شهد ألا إله إلا الله بعد ما رفع السيف عليه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوّذاً، فقال عليه الصلاة والسلام كيف بك إذا جاءتك لا إله إلا الله تحاجّك أمام الله، هل علمت ما في نفسه؟ هل شققت صدره، كيف إذا جاءتك تحاجّك أمام الله؟ فما زال يكررها. قال أسامة: كنت تمنيت أن أمي لم تلدني بعد، والأصوليون يقولون: الحكم على الشيء فرع من تصوّره: فهل قرأت ما كتبه؟

ورسول الله لما سمع رجلاً يقول: في مطاولة بينه، وبين رجل آخر: والله لا يغفر الله لفلان فقال عليه الصلاة والسلام من ذا الذي يتألّى على الله: لقد غفر الله له وأحبط عملك.. وأهل السنّة والجماعة، ومنهم ابن تيمية يقولون: لا نحكم لأحد بجنة ولا نار، وإنما نكل أمرهم إلى الله. وشيخي عبد العزيز بن باز رحمه الله: كان يسمع حديثي في الإذاعة: فقهاء الإسلام، ونصحني ألا أتحدث عن إنسان وهو على قيد الحياة لأنه لا تؤمن عليه الفتنة، وسوء الخاتمة.

فالله غفور رحيم بعباده ألم يقل سبحانه: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر، ولن أذكر ما أورده المقريزي في تاريخ القاهرة لما جفّ نيل مصر، وخرج فرعون في الليل داعياً، وفي الصباح جرى النيل، فأنت مطلع وتعرف ذلك.. ورأي العلماء في دلالة الآية: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (62) سورة النمل، خشية الإطالة، وأنت يا أخي لعلك تذكر قصة الإمام أحمد بمكانته، وعلمه وصبره أيام الابتلاء وتحمّله في المحنة وغيرها، خوفاً من علم لا ينفع ثم مع الشيطان عند النزع الأخير، بعد ما حاول إضلاله من أجل سوء الخاتمة فقال: بعد بعد، وفي الإفاقة من السكرات، أخبر بأنه قال ذلك مع الشيطان الذي قال له: لقد فتّني يا أحمد، فيردّد عليه: بعد بعد.. أي إلى الآن، وأنا خائف من سوء الخاتمة.

فكيف قلت: (وقد هاجني العجب من قول طبيب المسلمين)، ثم زدت حفظك الله من باب التدليس: (بل إنني قرأت بأن علوم ابن سينا في الطب والفلسفة، كانت تدرّس في الجامعة).. لتوهم أنها جامعاتنا، وأنا قلت في جامعة السوربون بفرنسا باللغة العربية.. وانظر أيضاً ما قاله الزركلي في الأعلام: بقي معوّلاً عليه في علم الطب وعمله: ستة قرون وترجمت الأفرنج بعد ذلك كتابه إلى لغاتهم، وكانوا يتعلّمونه في مدارسهم وطبعوه بالعربية في روما عام 1476م في أربعة مجلدات وله عندهم مكانة رفيعة (2 - 261).

ثم قلت عن توبته قرب آخر كلامك: التي وردت عند ابن خلّكان: فالله أعلم بالحال: ولا شك أن الله أعلم بأحوال الناس جميعاً، فأخشى أن يكون هذا تشكيكاً منك بتوبته.. ويكفيك في هذا جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه السالف ذكره، لأن ظاهر ما نقل ابن خلّكان، ثم نقلها غيره كالصفدي وغيره: صدق التوبة، بقرائنها التي جاءت عندهما، وغيرهما مما رُصد وقبل وفاته بأيام، وتعلم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن التوبة ما لم تبلغ الروح الحلقوم.. ذلك أنه تقرّب إلى الله بتلك التوبة، وهو سبحانه غفور رحيم رؤوف بعباده، فلا نحجّر ما كان واسعاً، حيث عكف في المسجد وتصدّق وأعتق وردّ المظالم ولازم القرآن الكريم.

ولن أدخل معك أو مع غيرك في نقاش وتعليلات، الله أعلم بنتائجها، ولكن يمكن الحكم الظاهر من واقع سيرته، وما جاء فيها بلسانه، ومعلوم أن ناقل الكفر ليس بكافر ما لم يعتقده، وأنّ تكفير المسلم ليس بالأمر الهيِّن، ولا عن الأدلة التي ذكرتها لأنك حكمت على أنه من الباطنية القرامطة، والذين كتبوا عنه، بل هو نفسه نفى ذلك، كما نقله الصفدي وسوف نوردها هنا، والذين كتبوا عنه قالوا إنّ أباه كان من دعاتها كما في سير أعلام النبلاء للذهبي (ص 531). ونفى ذلك عن نفسه كما أورده الصفدي (الوافي بالوفيات) 12 - 243 . حيث قال في دعوة أبيه وأخيه للإسماعيلية: أدرك ما يقولانه وابتدأوا يدعونني إليه، ولا تقبله نفسي (نفس الصفحة السطر 5). والله سبحانه يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (164) سورة الأنعام، ولما كان الكاتبون عنه، قد اختلفوا بين قادح ومادح، فإنني سأنقل للقارئ بعضاً من سيرته بلسانه، والعلماء يقولون: أصدق السير والتراجم ما كان من الشخص عن نفسه، وأترك الحكم للقراء على ديانته وتوبته، ولا رأي لي في ذلك، إبراءً للذمة.

فقد نقل الذهبي وصية ابن سينا لفضل الله الميهني وهي بقوله: ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل شيء وظاهره، ولتكن عينه مكحولة بالنظر إليه، وقدوة موقوفة على المثول بين يديه، مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى، وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحطّ إلى قراره، فلينزّه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر، تجلّى لكل شيء بكل شيء، وتذكّر نفسه وودعها، وكان معها كأن ليس معها: فأفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي الريا، ولن تخلص النفس عن الدون، ما التفتت إلى قيل وقال وجدال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية، ما انفرج عن علم، ومعرفة الله أول الأوائل، إليه يصعد الكلم إلى أن قال: والمشروب فيهجر تلهياً لا تشفياً - وفي عيون الأنباء التي بها الوصية كاملة (445 - 446) زيادة: وتداوياً، ولا يقصّر في الأوضاع الشرعية، ويعظّم السنن الإلهية (سير أعلام النبلاء (17 - 535)، وهي طويلة لا تخرج عن هذا النمط.

أما الصفدي: فنسير معه خطوات، في نقل جانب من سيرته بلسانه، قال نقلاً عن أبي عبيد الجوزجاني الذي صحب ابن سينا: ذكر الرئيس يعني به ابن سينا قال: كان أبي رجلاً من أهل بلخ، وانتقل إلى بخارى، أيام نوح بن منصور، واشتغل بالتصوّف، وأحضر لي معلم القرآن ومعلم الأدب، وكمّلت العشر من العمر، وقد أتيت على القرآن، وعلى كثير من كتب الأدب، فكان يُقْضَى مني العجب.

وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين، ويعدّ من الإسماعيلية، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل، على الوجه الذي يقولونه، وكذلك أخي، وربما تذاكرا به وأنا أسمعهما، وأدرك ما يقولانه، ولا تقبله نفسي، وابتدأوا يدعونني إليه.

ثم جاء إلى بخارى أبو عبد الله الناتلي، وكان يدّعى الفلسفة، فأنزله أبي دارنا، رجاء تعليمي منه، وكنت قبل قدومه، اشتغل بالفقه، والتردد فيه، إلى إسماعيل الزاهد، وأناظر فيه.

إلى أن قال: ثم رغبت في علم الطب، وصرت أقرأ الكتب المصنّفة فيه وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة، فلا جرم أني برّزت فيه، في أقل مدة حتى بدأ فضلاء الطب، يقرأون علي علم الطب، وتعهّدت المرضى، فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتسبة من التجربة، ما لا يوصف، وأنا مع ذلك اختلف إلى الفقه، وأناظر فيه، وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة، ثم توفّرت على العلم والقرآن، سنة ونصفاً، وأعدت قراءة المنطق، وجميع أجزاء الفلسفة، إلى أن قال: حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة، وكلما كنت أتحيّر في مسألة، ولم أكن أظفر بالحد الأوسط، في القياس، ترددت إلى الجامع وصليت، وابتهلت بالدعاء حتى فتح الله لي المنغلق منه، وتيسّر المتعسّر.. إلى آخر ما ذكر الصّفدي.

حيث ختم ذلك الراوي أبو عبيد الجوزجاني الذي قال: هذا ما حكاه لي. أو ما شاهدته أنا، من أحواله (الوافي بالوفيات 12 - 243).

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (التوبة تجب ما قبلها) ولم يضيِّق عليه الصلاة والسلام على أمته، بل يسّر وبشّر.. فقد ذكر الصفدي: أنه لما زاد معه المرض، أهمل مداواة نفسه ثم اغتسل وتاب، وتصدَّق بما معه على الفقراء. ورد المظالم على من عرفه، واعتق مماليكه، وجعل يختم القرآن في كل ثلاثة أيام ختمة، إلى أن انتقل لجوار ربه (الوافي بالوفيات 12 - 248).

وبمثل هذا قال ابن خلّكان، وذكر الشهرستاني في الملل والنحل أنه من فلاسفة الإسلام المتأخرون، وبمثله قال كثيرون منهم الصفدي الذي عدَّه من العلماء الحكماء. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يناقش من أسلم من الصحابة في أعمالهم السابقة..

لأنّ التوبة تجب ما قبلها، والله المستعان.

من معجزات عيسى عليه السلام:

ذكر السيوطي في كتابه لتفسير القرآن الكريم: الدر المنثور في التفسير المأثور: قال: وأخرج ابن عساكر عن ليث قال: صحب رجل عيسى بن مريم، فانطلقا فانتهيا إلى شاطئ نهر، فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا رغيفين، وبقي رغيف.

فقام عيسى إلى النهر يشرب، ثم رجع فلم يجد الرغيف، فقال للرجل من أكل الرغيف؟. قال لا أدري، فانطلق وهو معه، فرأى ظبية معها خشفان - ولداها -، فدعا أحدهما، فأتاه فذبحه وشواه، وأكلا ثم قال للخشف: قم بإذن الله. فقام.

فقال للرجل: أسألك بالذي أراك هذه الآية، من أكل الرغيف؟ قال لا أدري، ثم انتهيا إلى البحر، فأخذ عيسى بيد الرجل فمشى على الماء، ثم قال: أنشدك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري.. ثم انتهيا إلى مفازة، وأخذ عيسى تراباً وطيناً، فقال: كن ذهباً بإذن الله، فصار ذهباً فقسمه ثلاثة أثلاث، فقال: ثلث لك، وثلث لي، وثلث لمن أخذ الرغيف.

قال: أنا أخذته. قال: فكلّه لك. وفارقه عيسى. فانتهى إليه رجلان، فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه قال: هو بيننا أثلاثاً، فابعثوا أحدكم إلى القرية يشتري لنا طعاماً، فبعثوا أحدهم، فقال الذي بُعث: لأي شيء أقاسم هؤلاء المال، ولكن أضع السم في الطعام فأقتلهما بالسم. وقال ذانك الرجلان: لأي شيء نعطي هذا ثلث المال، ولكن إذا رجع قتلناه، فلما رجع إليهما قتلاه، وأكلا الطعام فماتا.

فبقي ذلك المال في المفازة وأولئك الثلاثة قتلى عنده.

قال ابن جرير: كان موسى قد حرّم على بني إسرائيل لحوم الإبل، والثّروُبَ، فأحلَّها الله لهم على لسان عيسى، وحرّمت عليهم الشحوم، فأحلّتْ لهم فيما جاء به عيسى، وفي أشياء من الطير، ما لا صعيقة له، وفي أشياء من السمك، وفي أشياء أخرى حرّمها عليهم وشدّد عليهم فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل. (2-221 - 222).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد