التكسب بالشعر ليست بدعاً من القول وهي ظاهرة قديمة لم تقتصر على العرب وحدهم بل كان هرقل يمجد بطولات الإغريق ويمدح وجهاءهم في إلياذته الشهيرة، وأصحاب المعلقات وشعراء الجاهلية والأموية كانوا يضربون أكباد الإبل إلى البيوت الشهيرة في بلاد العرب من أجل إضفاء الصفات المثالية على الممدوح ولو كانت كذبا فالجوع أهلكهم ومن أجل الذهب والفضة فقد تبارى الشعراء في (المدح) الذي يعد من أهم الأغراض الشعرية قديما ولا نبالغ إذا قلنا أن جل الدواوين الشعرية مرهونة بهذا الغرض ومعظم الشعراء متورطين في ذلك ولم يسلم أحد من هذا وبالغ النقاد قديما في الاهتمام بهذا الغرض لدرجة أنهم لا يعدون الشاعر شاعرا إذا لم يرق ماء وجهه وينظم في (المدح) وكان الدافع الأساسي للشعراء مادي بحت وتحقيق مصالحهم الشخصية وتختلف همة الشعراء من شاعر لآخر فالمتنبي كان يطمح للسيادة والزعامة ولم يترك والياً في زمانه إلا ومدحه وأبو العلاء المعري لشدة فاقته كان يمدح باعة الخضار والفجل في السوق وهناك مقولة مأثورة (احثوا في وجوه المادحين بالتراب) وبرزت ظاهرة التكسب في عصرنا الحديث عند الشعراء الشعبيين أكثر من إخوانهم (المساكين) شعراء الفصحى وأضحى هناك شعراء جاهزون للزمر والطبل وفي سبيل الدراهم والدنانير لا يتورعون عن المدح ولو كان كذبا باطلا وهناك على النقيض الآخر شعراء يتعففون عن مساءلة الناس ويسعون بما أوتوا من فصاحة وبيان لذوي الأمر والشأن من أجل فك الرقاب وتفريج كرب الناس وتحقيق الصالح العام وتظل ذكراهم عطرة في كل جيل، فالكلمة أمانة يجب أن لا توضع إلا في المكان المناسب وللأسف فإنّ شعراء الدندنة يشوهون الكلمة وليس كل أحد يستحق المديح.