من المعروف أن التاريخ، حافل بنماذج من الزعماء الذين استقروا في الذاكرة الإنسانية والتاريخية، وأسهموا في تعزيز مكانة أمتهم، وأوطانهم ومجتمعاتهم، وصانوها من العبث، وحفظوا لها أمنها واستقرارها، وقاوموا بإصرار التحديات التي تواجهها.
ينطبق هذا على عبدالله بن عبدالعزيز، الزعيم الإنسان الذي التزم وما زال بأسلوب مميز في الحكم والإدارة، ورؤية مبصرة لا تتوقف عند حدود، ومواجهة مستمرة مع الثلاثي البغيض: الجهل، والفقر، والمرض، مما جعله في مقدمة الزعماء الذين لهم بصمات واضحات، في سيرتهم ومسيرتهم.
وفي هذه المقالة أحاول أن أتوقف عند محطات من حياته. لقد أطلق الحوار الوطني، وبادر بمد يده للسلام، وواجه- كما قال الأمير سلطان بن عبدالعزيز-:
(الإرهاب بقوة، وعقل، ومنطق عسكرياً وفكرياً، وجَمع العالم ليقف صفاً واحداً في مواجهته). مخططاً مؤسساتياً واسع الأفق، رأى (أن طريق الإصلاح ليس طويلاً ولكنه يحتاج إلى خطوات مدروسة). زار الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض، والتي لها أحياء مماثلة في مختلف مناطق ومحافظات المجتمع السعودي. وضع إستراتيجية لمكافحة الفقر. تلمّس حاجات أبناء مجتمعه. التصق بهم. عُرف عنه الوضوح والصراحة، وبناء علاقات بلده مع العالم على الاحترام المتبادل. يدعو العرب والمسلمين دوماً إلى كلمة سواء. مطالباً بأن يكونوا على قلب رجل واحد. منفتحاً على العالم. واضعاً (الدول الإسلامية على أبواب مرحلة جديدة، من التعامل مع الواقع ومع الآخر)، مصراً على إزالة التشويه الذي تتعرض له المملكة. ينقذ نفسه بنفسه إلى حد القسوة المرهقة.
هناك محطات أخرى في تاريخ هذا الرجل. ملازمته (لإخوانه الملوك الذين استثمروا صراحته وشافيته). انضباطه الديني والأخلاقي والنفسي. توليه رئاسة الحرس الوطني (1382هـ). تحمله هموم أمته أينما ذهب. توسطه لإنهاء الخلافات بين الدول العربية. دعوته الفلسطينيين لحل خلافاتهم بالروية والاعتدال. تأكيده سماحة الإسلام وعظمته. رفضه أن يقبِّل أحد يده. حضوره المميز ومشاركة فاعلة في جلسات مجلس الوزراء قبل مبايعته. رعايته للتراث والثقافة في المجتمع السعودي، من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة. عضويته في الهيئة العليا، التي أنيطت بها دراسة شؤون الدولة اقتصاديا وعسكرياً.
هذه نماذج من محطات (عبدالله بن عبدالعزيز) التي تتسع يوماً بعد آخر، وهو يدافع عن حق الوطن والمواطن، ويستخدم كل أسلحته لمقاومة الفساد, والرشوة، والإرهاب، وسوء استخدام السلطة، مُحْدِثاً تحولات كبرى في مختلف الميادين، متبوئاً مكانته في العمل الوطني، والسياسي عربياً، وإسلامياً، ودولياً، وما هذه المحطات إلا غيض من فيض، ولو تركتُ لنفسي العنان لما توقفتُ عند هذا الحد.