في مثل هذا اليوم من كل عام نتذكر نحن المواطنين بامتنان بالغ مناسبة مبايعة مليكنا المحبوب الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - على السمع والطاعة، ونحن السعوديين على قلب رجل واحد نمتلئ حبا وانتماء وولاء لهذا الوطن الغالي قيادة وشعبا، والحديث في مثل هذه المناسبة عن قائد بحجم وقامة الملك عبدالله الذي وصفه....
.... الرئيس البرتغالي أنيبال كفاكو سيلفا بأنه رجل السلام وأحد أهم القادة على مستوى العالم أجمع (الوطن 27 يونية 2008م) والذي رفع شعار (لا يمكن أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير) يحتاج إلى مجلدات لرصد مسيرة حياته الحافلة بمنجزات عظيمة وقياسية في عمر الزمن رغم التحولات والتحديات الخطيرة المحدقة بالعالم كله، فمنذ مبايعة المواطنين قبل 3 سنوات - ومع كون هذه المدة قصيرة في عمر الزمن - إلا أن المملكة شهدت بحمد الله على امتدادها الشاسع وفي عصر العولمة وتحدياتها الخطيرة مزيدا من التحولات الإيجابية الكثيرة ونقلة نوعية بل طفرة كمية هائلة وغير مسبوقة ونجاحات باهرة مدعومة بارتفاع قوي لمعدلات الدخل القومي والتدفقات النقدية بالعملات الصعبة للمملكة بسبب الارتفاع الكبير لأسعار النفط العالمية، ويجسد ذلك ما تحقق على أرض الواقع من المنجزات الضخمة والمشروعات العملاقة على كافة الأصعدة وفي مختلف مناحي التنمية الشاملة: الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية والزراعية والعمرانية والصناعية والعسكرية والسياسية وغيرها مقرونا بانبهار المراقبين للتخطيط الإستراتيجي المستقبلي الواعد للمملكة والذي سيؤدي في نهايته بمشيئة الله تعالى إلى ملحمة وطنية رائعة ولوحة فريدة في صناعة الإنسان السعودي وبناء الأوطان وأنموذجا مشرقا نباهي به الآخرين.
ولقد تمكنت قيادتنا الرشيدة في أجندتها وبرامجها المعلنة بخطط التنمية الشاملة من مواصلة مسيرة التطوير والإصلاح متمسكة بثوابت الدين الإسلامي الحنيف وأصالتها وقيمها النبيلة، وبسياسة الاعتدال والاتزان والحكمة التي تمثل نهج الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وأنجاله الكرام من بعده، وشهدت الساحة الداخلية في عهد الملك عبدالله رزمة كبيرة جدا من الإصلاحات التاريخية المتوالية التي تجسد تعلقه الشديد بحب العمل الخيري والإنساني لكونه يحمل قلبا رقيقا حانيا حتى لقب بملك القلوب وملك الإنسانية في مملكة الإنسانية وذلك من خلال تلمسه احتياجات المواطنين وتفقد أحوالهم عن قرب وتحسين مستوى معيشتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم ونشر الرفاهية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في أرجاء الوطن، وكان المواطن وما زال وسيظل الهاجس الأول وفي مقدمة أولويات وسلم اهتمامات القيادة الحكيمة حيث قام الملك عبدالله بزيارات تفقدية لجميع مناطق المملكة وكذا الأحياء الفقيرة ووافق على إستراتيجية مكافحة الفقر وأنشأ الصندوق الخيري الوطني مثلما أنشأ مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان الخيري وأمر بإنشاء الهيئة العامة للإسكان، واعتمدت الدولة عام 1426هـ مبلغ 8 مليارات ريال للإسكان الشعبي، وأقرت جمعية لحماية المستهلك وأنشأت شركة المياه الوطنية، وزادت مخصصات الضمان الاجتماعي مع صرف معونة الشتاء لمستحقيه ووجهت بإنشاء صندوق استثماري لذوي الدخل المحدود بدون رسوم كما صدرت التوجيهات بزيادة رواتب جميع الموظفين وبتحمل الدولة ما نسبته 50% من رسوم الموانئ وتجديد رخص السير وإقامات العمال ودعم الرز المستورد وتخفيض أسعار البنزين والديزل لمواجهة التضخم وموجة غلاء الأسعار العالمية مع تخفيض قيمة تذاكر الطيران للمعاقين والمرضى بنسبة 50% مثلما أعفي ورثة المتوفين من سداد قروض صندوق التنمية العقاري ووجهت القيادة بدعم رؤوس أموال صناديق التنمية (العقاري والتسليف والتنمية الصناعية) بمبلغ 25 مليار ريال لسد حاجة المواطنين.
نعم لقد استطاعت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين أن تسطر صفحات بمداد من ذهب في تاريخ الدول من حيث التلاحم الفريد بين القيادة والمواطنين وتعزيز اللحمة والوحدة والانتماء الوطني، وحفظ واستتباب الأمن والاستقرار الوطني والبعد عن الصراعات في عالم يموج بالاضطرابات والفتن، مع التصدي بحزم للإرهاب وأرباب الفكر المنحرف والضال، وتبني سياسة الانفتاح مع العالم الخارجي والالتزام الكامل بالثوابت والقيم، وسن الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمجتمع المدني، وتشييد المشروعات الاقتصادية الضخمة لدعم مسيرة الاقتصاد الوطني وتوسيع قاعدته وتعزيز روافده غير النفطية (مدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ 130 مليار ريال ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بحائل مثلما أنشئت المدن الاقتصادية بالمدينة وجيزان وتبوك)، وإنشاء المركز المالي بالرياض، مع تسهيل رخص الاستثمار الأجنبي قدر المستطاع، وفتح الجامعات بكل مناطق المملكة في المدينة وحائل والطائف وتبوك والقصيم وجازان وأبها والباحة والجوف وغيرها، ووضع حجر الأساس لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كأحدث وأكبر مشروع علمي بحثي وتقني وحضاري في الشرق الأوسط واعتمد لها مبلغ 10 مليارات ريال إضافة لمبلغ 15 مليار ريال كوقف للجامعة، وإنشاء مدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة، والموافقة على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي واعتمد له مبدئيا مبلغ 10 مليارات ريال والذي تمكن حتى الآن من ابتعاث 47000 مبتعث سعودي للخارج في أفضل جامعات العالم وبتخصصات تشتد حاجة التنمية إليها والموافقة على مشروع إستراتيجية تطوير التعليم العالي، واعتماد مبلغ 9 مليارات ريال لمشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام، مثلما تم اعتماد مبلغ 7 مليارات ريال لتطوير نظام القضاء وديوان المظالم، وتحويل عدد من المطارات المحلية إلى دولية مثل مطاري المدينة المنورة وجازان مع توسعة عدد من المطارات القائمة كمطار الملك عبدالعزيز بجدة لاستيعاب ملايين الركاب المسافرين والقادمين وإنشاء مطار المدينة الاقتصادية في رابغ، وإنشاء هيئة الخطوط الحديدية لربط المناطق بأحدث وأسرع القطارات، والحرص كثيرا على استمرار وزيادة عمليات التوسعة الكبيرة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لخدمة حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين حيث اعتمد لها أكثر من 70 مليار ريال خلال السنوات القليلة الماضية، وإنشاء مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة واعتماد جملة من المشاريع التنموية العملاقة في الخدمات الصحية والبنية التحتية والطرق والمواصلات والاتصالات وتحلية المياه والكهرباء وغيرها ودعم وتشجيع ثقافة الحوار المجتمعي بإنشاء مركز الحوار الوطني بالرياض، ودعم الإعلام بالموافقة على هيئة الصحفيين والموافقة على الانتخابات البلدية عام 2003م، وإنشاء هيئة البيعة عام 1427هـ، كما تمت المصادقة على انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية عام 2005م.
والمتأمل في شخصية الملك عبدالله يجد أنه بجانب كونه قائدا متمرسا وراعيا أمينا مخلصا وفارسا محنكا فإنه يحمل فكرا عسكريا وسياسيا رائعا تمكن من خلاله من بناء الحرس الوطني الذي حظي بقيادته منذ عام 1382هـ ليطوره من قوات شبه عسكرية إلى جيش نظامي حديث مدجج بأحدث الأسلحة وقوة عسكرية ضاربة، وكان - حفظه الله - صاحب مواقف سياسية مشهودة لخدمة قضايا وطنه ومجتمعه وأمته وقضايا الإنسانية كلها، بل لقد تحول الدور السعودي بفضل حكمة القيادة الرشيدة من الدور المدافع عن قضايا الأمة والإنسانية إلى الدور المبادر في أطروحات الحلول الإستراتيجية لكثير من القضايا الإقليمية والعالمية العالقة، فالملك عبدالله هو الذي أرسى دعائم العمل الخليجي المشترك، وبادر بطرح مبادرة السلام العربية وتبناها مؤتمر القمة العربية ببيروت عام 2003م حينما كان وليا للعهد، وأنجز معاهدة الصلح بين أهل السنة والشيعة العراقيين بمكة عام 1427هـ وكذا الاتفاق بين منظمتي فتح وحماس بمكة عام 2007م، وصلح جدة بين الفصائل الصومالية المتحاربة لاحتواء الخلافات وتقريب وجهات النظر بينها، مثلما كان مناصرا قويا ومنافحا صلبا لنصرة القضية الفلسطينية حيث طرح وتبنى في مؤتمر قمة القاهرة إنشاء صندوقين: أحدهما للإنفاق على أسر شهداء القدس بمبلغ 200 مليون ريال، والثاني لصندوق الأقصى بمبلغ 800 مليون دولار، وكذا مبلغ 500 مليون دولار للشعب اللبناني لتكون نواة صندوق عربي دولي لإعمار لبنان، ومليار دولار لدعم مشاريع التنمية في لبنان من خلال الصندوق السعودي للتنمية، إضافة إلى بلاغ مكة الصادر عن مؤتمر القمة الاستثمارية الثالثة بمكة عام 2005م، وإعلان الرياض في مؤتمر القمة العربية العادية بالرياض عام 2007م وكان يهتم بكل قضايا الإنسانية فقد دعا ورعى مؤتمر الحضارات الأخيرة بمكة لنشر ثقافة التسامح والسلم والتعايش مع الآخرين، مثلما دعا ورعى قمة جدة للطاقة الذي تقرر من خلاله الإعلان عن تأسيس صندوق عالمي للطاقة لتنمية الدول النامية بمليار دولار ساهمت المملكة فيه بمبلغ 500 مليون دولار، كما ساهمت بمبلغ 500 مليون دولار في مؤتمر منظمة الفاو للغذاء لمكافحة الفقر، وتمكن من خلال ذلك أن يكسب احترام وتقدير المجتمع الدولي بأكمله.
وهكذا تحل ذكرى مرور ثلاثة أعوام على تولي خادم الحرمين الشريفين ملكا على البلاد وسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وليا للعهد وتتجدد هذه المناسبة الغالية والمملكة تفخر بمكاسب العزة ومسلسل منجزات النجاح التي شهد بها العالم قاطبة وبوأتها - بحمد الله - مواقع متقدمة في الريادة الأمنية والاقتصادية والسياسية والإستراتيجية وغيرها على المستويين الإقليمي والدولي، متمسكة بدينها وبقيمها، وملتفة حول قيادتها الرشيدة تعمل بكل جد وإخلاص وتضحية وتفان تحت قيادة مليكها المفدى وسمو ولي عهده الأمين سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتحقيق المزيد من الخير والنماء في واحة الأمن وبلد البذل والسخاء والعطاء مع الإحساس بالتفاؤل الكبير لمستقبل واعد ومشرق بإذن الله.