أظهرت الأرقام الكبيرة في عدد الموقوفين في القضايا الأمنية أن الخلايا الإرهابية لا تزال موجودة بيننا، وأنها تسعى لإثارة الفوضى في هذه البلاد، وأن الحرب الفكرية في هذه المواجهات لا تزال دون المستوى المطلوب. وهو ما أكده بيان وزارة الداخلية الأضخم والأكبر في نوعه....
الذي صدر يوم الأربعاء الماضي حيث يفيد القبض على ما مجموعه (520) شخصا من الفئة الضالة، في إشارة إلى الجماعات الإرهابية وذلك من بين (701) شخص اعتقلتهم منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأفرجت عن (181) منهم لم يتضح حتى تاريخه ارتباطهم تنظيميا بتلك الجماعات.
اللافت في هذا البيان، هو أن الهدف الأساسي للقاعدة هو سياسي وليس دينيا. فهم امتداد إذن للفكر الإرهابي من خلال اعتناقه وتجنيد أفراده وتنفيذ أجندته التي تتضمن أعمالا تخريبية، مما يؤكد أن خطورة المحرضين أكبر بكثير من خطورة المنفذين. وعطفا على البيان، فإن الخطورة أيضا في مواجهة القاعدة هي عمليات التمويل واستمرارها، والعمل على توفير الأموال بأية وسيلة كانت وفق آلية مدروسة - سواء كانت من داخل المملكة أو من خارجها - كل ذلك من أجل كسر الحصار المالي التي حوصرت به تلك الخلايا الإرهابية.
الأمر الآخر المهم في بيان وزارة الداخلية السعودية، هو الإشارة إلى العديد من الوثائق التي كانت بحوزة المقبوض عليهم، ومنها كتاب عنوانه: (إدارة التوحش.. أخطر مرحلة ستمر بها الأمة). المنشور عن مركز الدراسات والبحوث الإسلامية. وقد قام مركز مكافحة الإرهاب في كلية (ويست بوينت) العسكرية بترجمته إلى الإنجليزية بعنوان: (إدارة الوحشية). وتم توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأمريكية والمسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاجون) خصوصا. وتدور فكرة الكتاب على أن فكر تنظيم القاعدة هو الفكر المجدد للإسلام، وأنهم امتدادات للحركات السلفية والإخوان المسلمين في الوقت الحاضر. وينظر إلى الدول العربية والإسلامية مثل: السعودية واليمن والسودان والجزائر على أنها تدخل ضمن المناطق الواقعة تحت فكر (إدارة التوحش). كما يبني الكتاب رؤية جديدة للقاعدة في محاربتها أمريكا وحلفاءها في منطقة الشرق الأوسط، لاعتقاد مؤلفه أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر حققت أهدافها، وأوقعت أمريكا وحلفاءها في الفخ، ودفعتها لنشر قواتها العسكرية في أماكن كثيرة في العالم مما سيؤدي إلى إضعافها واستنزافها. والعجيب أن هناك من يرجح أن مؤلف الكتاب - صاحب الاسم المستعار - (أبا بكر ناجي) هو (سيف العدل) منسق الشؤون الأمنية والاستخباراتية للقاعدة، وهو الضابط المصري الذي يقيم في إيران وبرعاية الحرس الثوري الإيراني.
بيان وزارة الداخلية السعودية أعاد إلى الأذهان قصة الخلية النائمة التي تحركت فجأة لتضرب أحد معاقل النفط في المملكة قبل أربع سنوات تقريبا. فاستهدفت المنشآت النفطية، واعتدت على معمل بقيق - الموقع النفطي الأضخم في العالم - سعيا منها لضرب الاقتصاد الوطني والعالمي في وقت واحد، ولإضعاف العدو وإنهاكه، والمقصود بالعدو طبعا هي الدول العربية، وهي من الأهداف التي يشير إليها مؤلف الكتاب السابق حين قال: (ينبغي علينا ضرب جميع أنواع الأهداف الجائز ضربها شرعا. إلا أننا يجب أن نركز على الأهداف الاقتصادية وخاصة البترول).
وفي الوقت الذي تقوم فيه الجهود المنية لمكافحة الفكر الضال من خلال إيقاف عمليات التجنيد، وإقفال مصادر التمويل عنها على أكمل وجه. إلا أن الجهود الفكرية والمناطة بمؤسسات المجتمع المختلفة والمتمثلة في الإعلام والتعليم والمساجد لا تزال متأخرة تراوح مكانها.
وبعد.. فإن القراءة المتأنية والدراسة الواعية للفكر الضال من أجل إبطاله وحلحلة قناعاته وتعريتها، متجاوزين الوسائل التقليدية في التوعية مطلب مهم ولا شك. لأن المشكلة مع الفكر التكفيري هو في بنية خطابه، والمواجهة معه تكون بتفكيكه. فنناقش أسباب هذه الظاهرة عن طريق تقديم الدراسات والتوصيات بشأنها لنتقدم خطوة مهمة على طريق تفعيل المواجهة الكبرى مع الإرهاب. فنحن بحاجة إلى تحصين الشباب ضد خطر الأفكار الدخيلة، وإشاعة فكر الوسطية، والاعتدال في المشاعر والتصرفات والسلوكيات.
drsasq@gmail.com