مشكلة مظاهر الدنيا، ومقاييس النجاح البشري الدنيوي أنها مظاهر ومقاييس ذات بريق خادع، ومن مظاهر الدنيا التي تجر العالم كله إلى الهاوية، مظاهر الاختلاط بين الرجال والنساء بحجة حاجة الحياة المدنية المعاصرة إلى ذلك، ومن المقاييس التي تجرُّ على المجتمعات البشرية الوبال، مقاييس النجاح المادي في حياة البشر، بحيث يصبح جمع المال، والاستمتاع بلذائذ الحياة جميعها -دون ضابط- مقياساً لنجاح الإنسان وتطوره ورقيه، وما دام النجاح المالي متحققاً، فإن ما عدا ذلك من تعاليم دين، وأعراف خلقية، وقيم إنسانية، يصبح أمراً ليس بذي بال في عرف الإنسان المعاصر المتطور (المادي) الخارج على تعاليم الشرع وسلطة القانون.
لقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم معالم هذا البريق الخادع تحديداً واضحاً في الحديث الصحيح المشهور الذي رواه لنا الصحابة من خلال جلسة مباركة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.
كانوا جلوساً فمر بهم رجل ذو مظهر حسن ومكانة تدل على الثراء، فسألهم عنه، فمدحوه، وتحدثوا عن مكانته عند الناس وأنه جدير إذا تحدث أن ينصت إليه الناس، وإذا خطب أن يزوِّجوه، وإذا أقبل أن يقوموا له، ثم مر بهم رجل يدل مظهره على الفقر، والحاجة، فسألهم عنه، فهونوا من شأنه، وأنه جدير إذا تحدث ألا يحظى بالإنصات، وإذا خطب ألا يزوَّج، وإذا أقبل ألا يُقام له، وهنا أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقة التي يغفل عنها أكثر الناس فقال مفضلاً الفقير، بمظهره الحقير، على ذلك الغني بمظهره البرَّاق: لهذا أفضل من ملء الأرض من مثل ذاك.
وليس معنى هذا الحديث عدم حرص الإنسان على المظهر الجميل، وإنما معناه التنبيه إلى خطورة الانسياق وراء بريق الدنيا الخادع على غير طاعة الله.
فنعم المال الصالح عند الرجل الصالح، ونعم المظهر الحسن على المخبر الحسن، وإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وإن الله جميل يحب الجمال، ولكن التحذير الشديد ورد في حق من جعلوا بريق الدنيا أساس الحكم، ومقياس التفضيل، وإن كان ذلك البريق قائماً على فساد ديني وخلقي ومالي، وهذه هي مشكلة البريق الخادع في زماننا هذا، وقد خدع البريق أصحاب الدخل المحدود في عهد قارون، وتمنوا أن يكونوا في مثل مظهره، وبرقيه وفخامة مراكبه، ثم حمدوا الله على سلامتهم من سوء حاله بعد أن خسف الله به.
إن المظهر البرَّاق الناشئ عن رشوة، أو اختلاس، أو اعتداء على حقوق الناس، أو نية سيئة، يستعيذ الإنسان منه، ويبتعد عنه.
إشارة: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.
www.awfaz.com