Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/06/2008 G Issue 13058
الأحد 25 جمادىالآخرة 1429   العدد  13058
بأدبي الطائف الغامدي يقرأ ما تحت قشرة خطاباتنا ويؤكد على أن القبح فيها يداري نفسه!

الطائف - خلف سرحان

(ما عليش نأسف على التأخير وإلى مزيد من الانتظار)، كانت هذه العبارة أول ما قاله الأستاذ عقيلي الغامدي مقدم محاضرة الدكتور محمد ربيع الغامدي بأدبي الطائف المعنونة ب (خطاباتنا المهيمنة... قراءة ما تحت القشرة). التأخير الذي أشار إليه المقدم استغرق وقتا طويلا جراء مشكلة تقنية في تعريف جهاز المحاضر المحمول على جهاز (الداتا شو) الخاص بالنادي.

الدكتور الغامدي مازح الحضور - أثناء محاولة توليف الجهاز - قائلا (المحاضرة كلها في الصورة الموجودة على الجهاز وان ما عرضت الصورة يفتح الله)!

أخيرا عرضت الصورة ولم تكن واحدة بل صورتين وهي عبارة عن لوحتين دعائيتين لنوعين مختلفين من السجائر (طلب المحاضر من الصحفيين عدم ذكر السجائر وأنواعها في تغطياتهم الصحفية) - جعل المحاضر من الحديث حولهما مدخلا لمحاضرته التي أورد لها تلخيصا جاء على النحو التالي:- (تتخذ هذه الورقة مدخلا لها ورد في رواية (ديفيد لودج) (العمل الجميل) يقرأ لوحتين دعائيتين بطريقتين مختلفتين إحداهما رأسية والأخرى عرضية أفقية، ويتبين من القراءة الرأسية كيف تجاوزت القراءة اللوحة موضع القراءة (الأيقونة) إلى قراءة العقل الجمعي للمجتمع الذي أنجز تلك اللوحة (الخطاب المهيمن) ويتبين من خلال عرض القراءتين الأفقية والرأسية أن الأولى لا تحتفل إلا بعلاقات (السنتغم) وهي علاقات الاتصال والضم، والأخيرة تحتفل بعلاقات (البرادايم) وهي علاقات الاستبدال والاختيار وهذه القراءة الرأسية أشبه بقراءة ما يختفي تحت السطح الظاهر وأسماها (قراءة ما تحت القشرة).

وانطلاقا من ذلك تدعوا الورقة إلى قراءة الظواهر المحلية قراءة رأسية للكشف عن الخطابات الجمعية المهيمنة التي أنتجتها، وعدم الاكتفاء بالقراءة السطحية التي تقف على النصوص الفردية التي تؤطر الظاهرة وسياقاتها بوصف النصوص الفردية تقع على المحور الأفقي والخطاب الجمعي يقع على المحور الرأسي.

وتعرض الورقة نماذج من الخطابات المهيمنة وبين كيف تفرز هذه الخطابات مفاهيم صلبة تخفي في الغالب ما تنطوي عليه من تناقض أو هشاشة وكيفية مواجهتها بالقراءة الرأسية المعروضة والوقوف على أسباب اكتساب الخطابات المهيمنة الصلابة والقوة، وعرضها بحسب مفهوم (سلطة الخطاب) كما هو عند (بيير بورديو)، ثم تناقش إمكانية زحزحة المفاهيم المتجذرة وخلخلتها بحسب النموذج الذي اقترحه نورمان فيركلو.

ذكر المحاضر أن كل خطاباتنا في حاجة لقراءة رأسية بما في ذلك الخطاب الديني باعتبار أن الخطاب الديني ليس هو الدين وذكر أيضا أن كل حياتنا تسيرها مجموعة من الخطابات. وأضاف إن ما يميز الخطاب عن غيره هو انه ممثل بعلامات.

أشار المحاضر إلى أن مزاين الإبل والقنوات التي أظهرت مساوءنا لو قرأناها قراءة أفقية لخدعنا وذكر المحاضر أن ما يحدث الآن في بعض القنوات من محاولات ربما هي إصلاحية في الشعر الشعبي فإنما هي محاولات لتحسين ما هو قبيح أساسا وإلا فما معنى أن يوضع محورا لشعر المحاورة كبر الوالدين مثلا مع انه معروف أن هذا النوع من الشعر قائم على المدح والذم وما يحدث مجرد تكريس للقبح والرداءة والخطاب بهذا يحصن نفسه ليضمن له الديمومة والاستمرار كما هو الحال في الحداثة التكتيكية التي تتبعها أحيانا بعض الطوائف لتمرير خطاباتها ولتنفي عنها ما توسم به من انغلاق!

ضرب المحاضر أمثلة أخرى وقال: نحن نتظاهر أننا قلبا وقالبا مع النص القرآني (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) ولكننا نمارس العصبية بشكل أو بآخر لان الخطابات عادة ما تعزز مفاهيم صلبة لا تؤثر فيها النصوص!

ضرب المحاضر مثالا آخر بمحاضرته هذه وقال: هذه المحاضرة تكتسب قوة من خلال هذا المنبر الذي تقدم من خلاله ومن هذه المنصة العالية وعلو المنابر ليس فقط علو مادي فيزيائي بل هو علو مجازي. كما ان المحاضر يحمل لقبا أكاديميا لذا فخطابه صلب وقوي ومدعوم بغض النظر عن محتوى الخطاب نفسه!

ومن ضمن ما أشار له المحاضر أيضا قوله: (الخطابات تتجاور وتتصارع ويحاول كل منها الزحف على غيره من الخطابات الأخرى وطي جزء من حدوده وإن بدأت في الظاهر متعايشة ومتكاملة إلا أن الغلبة تكون للأكثر هيمنة والأوسع في فرض القدر الأكبر من مفاهيمه ورؤاه وتصوراته).

ذكر المحاضر أن التغيير في مفهوم ما في احد الخطابات قد يؤدي لتغيير مماثل لنفس المفهوم في الخطابات الأخرى فلو تغير مفهوم الآخر في الخطاب الديني فإن نفس المفهوم يتغير في الخطاب الاجتماعي والثقافي!

تلت المحاضرة عدة مداخلات من قبل الحضور ومن أبرزها:-

* الأستاذة خديجة قاري أشارت للتناقض الذي نعيشه بين الخطاب الديني - الذي ساوى بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وبقية الصحابة - والخطاب القبلي الذي يقسم الناس لقبيلي وخضيري ونحو ذلك.

* الدكتور أحمد خميس الزهراني ذكر أن المحاضرة تعد نقلة نوعية للنادي وتساءل عن سر نجاح التنمية الذاتية بينما هناك إخفاق في التنمية الجماعية.

* الأستاذة منى المالكي طالبت المحاضر بمحاضرة عن تداخلات الخطاب الخاص بالمرأة وقالت: (لو أن المحاضر اختار خطابا واحدا وحلله أفقيا وعموديا لكان ذلك أفضل) وتساءلت عن سر خوفنا من النقد الثقافي الذي يعري خطاباتنا.

* الأستاذ عبد الله السليماني أشار إلى أن هناك خلطا بين المفاهيم في المحاضرة وتساءل عن مقصود المحاضر بقوله (يجب أن يحرر الخطاب الديني) هل يقصد النصوص القرآنية والأحاديث أم القراءات والشروحات والتأويلات التي تتناولها!

أشار السليماني إلى وجود خطابات ضعيفة أو باطلة في أساسها ولكنها تكتسب قوتها من الخارج وضرب لذلك مقولة فرعون (ما أريكم إلا ما أرى)!

* الأستاذ محمد محسن الغامدي قال: حبذا لو اكتفينا بلقب (السعودي) الذي منت به علينا الدولة حفظها الله واكتفينا به عن بقية الألقاب القبلية ونحوها. وتطرق الغامدي للخطابات المكتوبة على الجدران في المرافق العامة وقال إنها تمثل خطابا لفئة معينة يجب أن يدرس.

* الأستاذة عائشة السيد قاري وصفت المحاضرة بالجودة والمتعة وتساءلت كيف لنا أن نوصل هذه المعرفة إلى المجتمع وتساءلت أيضا عن دور النخب الثقافية في قضايا كثيرة ومنها قضية الإرهاب!

* الدكتور علي الحارثي أكد في مداخلته أن كل من حضر لديه (ستالايت) والقضية هي قضية المتلقي بالدرجة الأولى هل سيحاكم وهل سينفي أم يتقبل ما يطرح عليه من خطابات. أضاف الحارثي - بعد إشادته بخطاب خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة مؤخرا في مؤتمر الحوار بين الأديان - إن الغطاء قد انكشف وان الطريق قد اتضح ولم يعد هناك - والكلام للحارثي - متسع لمزيد من الاستغفال.

* الدكتور عايض الثبيتي تمنى في مداخلته ألا تكون المداخلات والتعليقات على المحاضرة من السطحية بمكان وتكون بمثابة القشرة. أشار الثبيتي للدراسات اللغوية Linguistics التي تهتم بدلالات اللغة وتأخذ سياقات براجماتيكية لإيجاد ونقل صورة الموجود في الخارج ونقل علاقات جديدة.

* الأستاذ طارق الثقفي أشاد بالمحاضرة ابتداء وقال: إنها على كف قلم! وتحدث الثقفي عن الخطاب المتشنج لدينا تجاه الآخر وقال: كيف نريد من الآخر أن يتقبلنا ونحن نلعنه صباح مساء. أشار الثقفي إلى أن المحاضرة لم تتطرق للخطاب الموجود في مناهجنا.

* الدكتورة نائلة لمفون ذكرت في مداخلتها أن للقشور سحرها وبريقها وهيمنتها أيضا وتساءلت عن سر هيمنة بعض الخطابات وما هي الآليات التي ترتقي بالعلامات إلى مستوى الرمزية وكيف تنشر في المجتمع.

* الدكتور عايض الزهراني أشار إلى أن لخطاب المحاضر سطوة وأكد على أهمية التدريب على الاستنتاج للوصول للقراءة العميقة وتحدث عن أزمة الهوية وتدرجاتها!

وفي الختام علق المحاضر على المداخلات ووصفها بأنها إضافة للمحاضرة وعاب استخدام كلمة (رد) أو (ردود) لأن من معانيها الرفض وذكر أن ما طرح يمثل وجهات نظر وذكر أنه قد سعد في مناسبة سابقة في الباحة بمداخلة عميقة للدكتور عالي القرشي على محاضرة له عن خطاب القبيلة.

تحدث الغامدي باقتضاب عن الهوية وقال: (أحيانا تكون الهوية وبالا علينا وتكون إحدى مشكلاتنا) وذكر أيضا أنه في الفكر الحديث ليس هناك هوية واحدة بل عدة هويات.

لقطات:-

1- أحدهم ذكر أن هذه هي المحاضرة الأهم التي ألقيت بالنادي منذ محاضرة الدكتور حسين بافقيه قبل عدة سنوات والغريب أن هذا الشخص نادرا ما يحضر فعاليات النادي فكيف له الحكم!

2- أحدهم أيضا قدم ورقة لمقدم الأمسية ذكر فيها أن الأستاذ العسيري مشرف اللغة الانجليزية يرغب في التعليق وهو الأمر الذي نفاه العسيري واستهجنه وتساءل عن مقصد من مرر هذه الورقة من حركته هذه والتي لا تليق بمثقف!

3- أحدهم قدم اعتراضا على حديث المحاضر عن الشعر الشعبي وعده انتقاصا من قيمته وفي نهاية الأمسية طلب المحاضر من (صاحب الاعتراض) محاورته شعريا. قالها مازحا.






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد