دعت الأديبة سارة السهيل بضرورة توظيف قدرات الأدب في تنمية القدرات النفسية والعقلية لطفل ذوي الاحتياجات الخاصة بما يتوافر في الأدب من عنصر الخيال، وما يخلقه الأدب من جرأة في نفس الطفل بما يزرع الثقة في نفسه ويشعره بقيمته في المجتمع الذي يعيش فيه. وطالبت المؤسسات والمنظمات العربية المعنية بالطفولة بتكثيف دعمها إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وإعادة تأهيل وتدريب المعاقين، لا سيما الذين يعيشون في بؤر التوتر والصراعات وتحت الاحتلال، مشيرة في هذا السياق إلى مأساة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق وفلسطين، جاء ذلك خلال ندوة (ذوي الاحتياجات الخاصة: أدب الطفل وأساليب التواصل معه) نظمتها كلية التربية النوعية بجامعة عين شمس بالقاهرة برعاية من الدكتورة نادية الحسيني عميدة الكلية، والدكتورة إيفيلين سعيد عبدالله وكيل الكلية لشؤون خدمة المجتمع والبيئة.
وقد تمتعت هذه الندوة بثراء كبير عكسته استخدام لغة الإشارة والتي قدمتها نادية عبدالله مترجمة الإشارة، كما عكسته الجدل الفكري والنقاش الساخن بين الحاضرين حول أعمال سارة السهيل من جانب، ومشاركة الطلاب والطالبات بالكلية في حوار مفتوح تخللته مقاطع شعرية للطلاب من ديوان سارة (دمعة على أعتاب بغداد).
- وتحدثت الأديبة والشاعرة سارة السهيل عن أدب الطفل وذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكدة أن ديننا الإسلامي الحنيف كفل حقوقا مشروعة للطفل تضمن أن تصنع منه إنسانا سويا واعتنى بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة باعتبار أنه يحتاج إلى جهد أكبر في إشباع احتياجاته النفسية العاطفية لتعويض ما يشعر به من ضعف وفقدان عناصر القوة، وغياب الأمان، فحمل الأسرة والمجتمع مسؤولية رعاية هذا الطفل بغمره بالحنان حتى يصل لمرحلة التوافق الاجتماعي مع البيئة المحيطة به.
وأضافت سارة السهيل، أن الأدب يلعب دوراً مهما في تنمية القدرات النفسية والعقلية لطفل ذوي الاحتياجات الخاصة بما يتوافر في الأدب من عنصر الخيال وما يخلقه في النفس من جرأة وشجاعة، ولذلك قدمت أولى تجاربي للأطفال وهي (سلمى والفئران الأربعة) نصا مطبوعا، كما أخرجتها في شريط كاسيت لتناسب ذوي الاحتياجا، وعمل المقدمة الفنان الكبير الراحل عبدالمنعم مدبولي وأقيمت لها ندوة بمعرض القاهرة لكتب الأطفال وطلب مني تحويلها إلى مسرحية للأطفال وبالفعل تمت مسرحتها، لافتة إلى أنها في وقت لاحق طورت هذه التجربة عندما قدمت قصة (نعمان والأرض الطيبة) بطريقة برايل حتى يستفيد منها الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة، متعهدة بأنها ستبذل قصارى جهدها بأن تقدم لهؤلاء الأطفال المزيد من الكتابات الأدبية.
- وبعد تقديمه لإنتاج سارة السهيل الأدبي، وصف د. عبدالقادر زيدان بالإنتاج الغزير والمتنوع في مضامينه الفكرية والتربوية والأخلاقية وأيضا السياسية سواء في الإنتاج الشعري مثل (دمعة على أعتاب بغداد)، أو في قصص الأطفال مثل (ليلة الميلاد) و(نعمان والأرض الطيبة) والمتنوع كذلك في اللغة المستخدمة فيه بين اللغة العربية والإنجليزية والصينية وحتى المقروء بطريقة برايل. وأوضح أن فئات ذوي الاحتياجات الخاصة عديدة ويصعب تعريفها بشكل محدد، خاصة وأن من بينهم فئات أشد ذكاء وموهبة وهؤلاء يحتاجون لأساليب أدبية ومجهود كبير في التخاطب معهم، ولذلك فهو يشفق على سارة السهيل دخولها هذا المجال.
أما د. اسماعيل عبدالفتاح عبدالكافي، فيشير إلى وجود ثلاثة فئات لابد أن نخاطبها في أدب الأطفال المكفوفين الصم والبكم المختلين، إلى جانب ذوي الذكاء، وهؤلاء جميعاً يحتاجون إلى أدب الأطفال من خلال الكتاب المزين بالشكل الجمالي، كما يحتاجون إلى وسائل تعليمية مساعدة للغة الصوت والصورة. وتابع أن الجهد الذي بذلته سارة في الجمع بين الكتاب المطبوع وشريط الكاسيت وطريقة برايل يستحق التقدير كما يستحق التشجيع والتطور؛ لأن سارة قامت بما تقوم به المؤسسات.
من جانبها لفتت أ.د. منى حسين الدهان إلى أن الجهود الخاصة في مجال العناية بذوي الاحتياجات الخاصة وتثقيفهم ومخاطبتهم بالإبداع الأدبي، تعد جهوداً قليلة في العالم العربي، ولذلك فإن ما فعلته سارة السهيل في هذا المجال يدعو للتقدير والتشجيع، خاصة وأنها جمعت بين القصص القصيرة المثيرة التي تدخل قلب الطفل بسهولة خاصة في ظل عدد شخصياتها مثل سلمى والفئران الأربعة، وبين القصص ذات الأحداث الكثيرة والمفعمة بالجو الأسطوري مثل: (نعمان والأرض الطيبة) والتي تتسع فيها مساحة الخيال لأقصى مدى، ولكنها لا تناسب ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي تعقيبها أوضحت سارة السهيل، أنها كتبت قصة (نعمان والأرض الطيبة) لتناسب عمر 16 عاما، وهذه الفئة العمرية تحتاج في مخاطبتها لخيال أسطوري جامح، فبطل القصة نعمان قضي أربعين عاماً من عمره مثابراً حتى يصل لتحقيق هدفه، وهذه السنوات الأربعين تعني أنه عاش أحداثاً كثيرة والتقى بشخصيات، وقد لاقت هذه القصة قبولاً واسعاً، كما تقبلها أيضاً ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين هم في تقديري أكثر من يحتاجون للخيال، وهذا ما لمسته بنفسي عندما ذهبت إلى جمعية النور والأمل فوجدت احتفاء كبيراً بهذه القصة بعد تحويلها بطريقة برايل.
وأضافت أنني أحرص في كل قصة للأطفال على تبني قضية معينة أغرس فيها قيماً مهمة في حياتنا، ففي قصة (قصة الجبل) تعرضت لقضية الهجرة من الريف إلى العاصمة ووجهت دعوة للأطفال كي لا يتركوا بلدهم لأنه لو تركنا قريتنا وبلدنا التي ولدنا فيها وذهبنا للعاصمة من يبقى ويرعى أهلها.
أما في قصة (ليلة الميلاد) فقد كتب المقدمة لها البابا شنودة، وقدمت من خلال حكاية شجرة الميلاد دعوة للتجمع والمحبة والتآخي لخير الإنسانية، وفي قصة (اللؤلؤ والأرض) فقد ركزت على قيمة حق العودة للشعب الفلسطيني. ثم قدمت سارة قصيدتها (اذكروني) من ديوانها (دمعة على أعتاب بغداد)، والتي عادت وتغنت بها إحدى الحاضرات.
وعادت الندوة لفتح باب النقاش، حيث أكد الدكتور عبدالقادر زيدان، أن الإنتاج الأدبي لسارة يمس الحضور والأحاسيس والمشاعر والشعر باعتباره رمزاً للأصالة؛ لأنها دخلت عالمال الصعب، واقتحمت مجالاً أكثر تعقيداً وهو ذوي الاحتياجات، وقدمت تجارب أدبية متميزة شكلاً على مستوى الاخراج المتميز والورق والطباعة، ومضموناً على مستوى القيم التي تحول غرسها داخل هذا الأدب.
وعبرت إحدى الطالبات بالكلية عن إعجابها بديوان (دمعة على أعتاب بغداد) وقالت إنها فخورة بالمنجز الأدبي لسارة العراقية، والتي كانت تتمنى أن تكون مصرية.
وعقبت سارة السهيل، على مداخلة الطالبة قائلة: كلامك شجعني على أن أكتب قصة وأمنيتك أنك كنت تتمني أن أكون مصرية، فإنني أؤكد لك أني سعيدة بإقامتي في مصر وتواجدي وأنني أقدم أعمالي في مصر فهي هوليود العرب.
واختتمت الندوة د. إيفيلين بتسليم سارة السهيل شهادة تقدير خاصة وميدالية تمثل رمز الكلية.