كل ما قلنا قضينا رد مرسوله علينا ! تذكرت هذا المثل وأنا أقرأ الأنباء التي تقول إن السلطات الأمنية قبضت على 520 إرهابياً من إرهابيي القاعدة، والذي أعلن عن القبض عليهم الأربعاء الماضي. ويبدو أن قصتنا مع الإرهاب والإرهابيين أبعد من أن تشهد نهاية قريبة. المحاضن تعمل وتفرخ؛ ربما أن طاقتها الإنتاجية انخفضت قليلاً، إلا أنها مازالت تعمل. وكما كنت أقول وأكرر إن تحجيم هذا الوباء الثقافي لن ينجح إلا بتتبع منابعه ومحاضنه الفكرية ومموليه الفكريين -وليس الماليين فقط- والقضاء عليهم.
فمازال -مثلاً- مجموعة من كبار منظري (التكفيريين) أحراراً طلقاء، يوزعون صكوك (التكفير) مثلما يوزع رهبان النصارى صكوك الغفران، ويُحرضون على من خالفهم، ويخرجونهم من الدين، وكأن الإسلام دائرة ضيقة محدودة، هم من يقفون على أبوابها، فيدخلون فيها من يريدون، ويخرجون منها من يريدون، والأمثلة على ما أقول أكثر من أن تحصى.
وإذا كان القضاء على الأمراض والأوبئة والآفات يتطلب أن نلتمس جاهدين (مُسبباتها) بالبحث عنها في مظانها، وأن نردم تلك المستنقعات (التكفيرية) الآسنة والمتعفنة التي تنبعث منها أسراب البعوض والذباب التي تقوم بمهمة نشر هذه الأوبئة المميتة، فإن أهم هذه المستنقعات هم أرباب (الفكر التكفيري)، وبالذات أولئك الذين لا ينبسون ببنت شفة ضد القاعدة وابن لادن، بينما يسلون سيوفهم التكفيرية مصلتة علناً وفي رابعة النهار على كل من حاول أن يطرح رأياً (آخر) له فيه رؤية قد تبدو لهم خاطئة، وهو مجتهد فيها. وهؤلاء معروفون ولا أحتاج إلى أن أسميهم. بل إن أحد (كبارهم) اعتبر ابن لادن مجرد مجتهد -كذا ورب البيت!-، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فليس له إلا أجر واحد؛ أي أنه في الحالتين مأجور على عمله، ومازال هذا (المكفراتي) يُشارك في بيانات التكفير الواحد تلو الآخر حتى اليوم!
والذي يجب أن نعيه حق الوعي أن (التكفير)، والضيق ب(الاختلاف)، هو أس الداء. وهو بمثابة (المحراث) الذي يحرث الأرض ويجهزها ليأتي هؤلاء الإرهابيون فيبذروا فيها بذورهم لتنمو وتتكاثر. والذي يكفر بهذه السهولة، ويصيغ بيانات التكفير بدم بارد، هو العدو الأول الذي يجب أن نبدأ منه (لمحاصرة) ثقافة هذه الفئة، وتجفيف منابع الإرهاب.
يقولون: من أمن العقوبة أساء الأدب. وهؤلاء (التكفيريون) هم أصل الداء وسبب العلة، وهم كذلك من أساء الأدب ونجا من العقوبة. مواجهتهم بحزم هي نقطة البداية لتجفيف منابع الإرهاب. ومهما يقولون، ومهما (يناورون)، ويتبرؤون ظاهرياً من هذه الفئة التي تسعى إلى فرض (التوحش) بالقوة، فهم يتعاملون معهم بمنتهى (الليونة)، والضعف المتعمد، مقارنة بتعاملهم مع من يختلفون معهم من الآخرين؛ وكأن لسان حالهم يقول: لم آمر بها ولم تسؤني!
قبل أن أختم أقول: ليت من يشنون الحملات تلو الحملات على التيارات (الوطنية) في البلاد، ويصفونها بكل ما تحمله قواميسهم من أوصاف قبيحة، يقرؤون -إن كانوا يقرؤون- البحث الذي ضبطت نسخ منه مع هؤلاء الإرهابيين بعنوان (إدارة التوحش)، ليدركوا أنهم في غفلتهم يعمهون، وأن القضية أكبر وأخطر بمراحل مما كانوا يتصورون. والسؤال: أتراهم سيجرؤون هذه المرة ويردون على هذا البحث (الخطير)؟. دعونا نرى!