أضحى الطب النفسي من أهم التخصصات الطبية الحديثة، إلى حد أن صار رواد العيادات النفسية يفوقون رواد كثير من العيادات الجسدية واستوعب الناس أن طب البدن مرتبط أشد الارتباط بطب النفس لا ينفك أحدهما عن الآخر.
ورغم أن الطبيب النفسي لا يتخصص فيه إلا بعد أن يجتاز دراسة الطب العام الذي يركز على صحة جميع أعضاء الجسد بصفة عامة، إلا أن نسبة لا يستهان بها من الأطباء النفسيين بما فيهم أطباء الداخل يحكمون على صحة النفس بمعزل تماماً عن صحة الجسد، فيسارع الواحد منهم بكتابة الوصفة الطبية النفسية دون أن يسأل عن صحة المريض العضوية أو أن يطالبه بأية تحاليل طبية ضرورية قد توضح سبب معاناته مثل: ارتفاع السكر أو الضغط، أو اضطراب الهرمونات، أو فشل الغدد.
فلم يعد هناك فرق بين الصيدلي وبعض الأطباء النفسيين لأن كثيرا من الأدوية النفسية مثل بروزاك وسبرام وسبرالكس ولوسترال وغيرها تباع من غير وصفة طبية دون أي حرج في ذلك؟! ولا يشعر الشخص المرتاد لبعض عيادات الأطباء النفسيين بالفرق الكبير بين الشخصين.
وليعذرني بعض أطباء النفس في مثل هذا الرأي الذي هدفي منه الإصلاح النفسي وبالتالي الاجتماعي، لأنه قد ترسخت في أذهاننا منذ الصغر ما يرد في المسلسلات والأفلام العربية من عناية الطبيب النفسي بمريضته أو مريضه واحتوائه لهما حتى يصلا لمرحلة الشفاء التام.
بعكس ما يراه الناس في العيادات والمصحات النفسية الآن من تحويل الطبيب لمريضه للإخصائي النفسي على أفضل الأحوال، رغم أنه لا يصل لمستوى الوعي الذي يصل إليه بعض المرضى، حدثتني إحدى الأخوات المتحصلات على مستوى عال من التعليم والوعي والتعقل والنضج، أنها مرت بتجربة اجتماعية قاسية طالت معها معاناتها وحيرتها فحاولت طرق باب الطب النفسي للمشورة لعلها تختصر مسافات حزنها.
واختارت لذلك عيادة طبيب له اسمه المعروف ولكنها فوجئت بذلك الطبيب الذي تكتظ عيادته بالبائسين، يتعجل بكتابة الوصفة الطبية لها وهي ليست بذات شكوى تستحق مثل هذا العلاج وحينما أبدت عجبها، قال لها: إن هذا الدواء منظم للفكر وعمل العقل، فتناولته متفائلة بسرعة حل مشكلتها عن طريق هذا الدواء العجيب، إلا أنها لاحظت أنها لم تجنِ إلا النوم المتواصل، والتبلد والانقطاع عن كثير من أعمالها وعلاقاتها الاجتماعية؟!
الشاهد من هذا الحادثة أن الطبيب النفسي بعلمه وخبرته يفترض منه أن يفرق بين نوعيات مراجعيه الذين يتراوحون ما بين مبتلى حقيقي، وبين واهم، وبين جاهل بحقيقة الحياة التي يستحيل أن نجد فيها السعادة الدائمة أو المتكاملة، بل هي دار ابتلاء بالخير والشر، إلى حد أن إحدى المبتليات بإدمان المهدئات قد اعترفت أنها في بداية تناولها للحبوب النفسية كانت طبيعية لكنها رغبت في المزيد من السعادة حسب وهمها القاصر الذي دعمه التسرع الطبي!
إننا ندين بالولاء لأولئك الأطباء النفسيين الذين (دمجوا علاج النفس والجسد بعلاج الروح علاجا إيمانيا)، وجعلوا كثيرا من ذلك تحت مظلة التطوع بجميع أنواعه، والذي يأتي في مقدمته نشر الوعي عن طريق الدورات التوعوية والمواقع الإلكترونية وما شاكلها.
g.al.alshaikh12@gmail.com