الرياض - خاص بالجزيرة)
بعض الدراسات النفسية تؤكد أن القرآن الكريم يمكنه علاج بعض الأمراض النفسية، هل حقاً يفيد سماع القرآن المرضى؟ وكيف يتفاعل العقل غير المسلم مع هذه الحقيقة ؟
طرحنا هذه التساؤلات وغيرها على عدد من المختصين في علوم القرآن الكريم ومن يمارسون الرقية الشرعية.. فماذا يقولون؟!
الدراسات النفسية تؤكد ذلك
في البداية يقول الدكتور عماد زهير حافظ - أستاذ الدراسات العليا بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة-: أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن هذا القرآن هو شفاء ورحمة للمؤمنين حيث قال سبحانه في سورة الإسراء (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين..) الآية، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصحيح من السنة الرقية بالقرآن الكريم لشفاء الأمراض سواءً كانت نفسية أو عضوية كقراءة سورة الفاتحة والمعوذات ولا شك في ذلك والواقع يفيده ويثبته فما جاء في بعض الدراسات النفسية من كون القرآن علاجاً لبعض الأمراض النفسية هو أمر صحيح ولا غبار عليه، فالقرآن الكريم شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة، إذ هو يصل القلب بالله فيطمئن ويسكن ويشعر بالراحة ويستشعر الحماية والأمن، ويرضى فيستروح الرضا من الله تعالى والرضى عن الحياة.
أما غير المسلمين فإن بعضهم قد شاهد أثر القرآن على مرضاهم وكيف أن القرآن الكريم يستجيب له خلايا أجسامهم وإن كانوا غير مؤمنين به.... وقد أثبت بعضهم ذلك من خلال التجارب.. وهذا مما دعا بعضهم إلى الإيمان.. فلا بد من الاستفادة من هذه الدراسات في إقناع غير المسلمين ودعوتهم إلى الحق واتباع الكتاب الكريم.
الشفاء التام
ويؤكد الدكتور علي بن محمد عطيف - رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بأحد المسارحة-: أنَّ العلاج بالقرآن الكريم وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى هو علاجٌ نافعٌ وشفاءٌ تامٌ { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}(فصلت: 44)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}(الإسراء: 82) ومن هنا لبيان الجنس، فإِنَّ القرآن كله شفاءٌ كما في الآية المتقدمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}(يونس: 57).
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وما كلُّ أحدٍ يُوهَّل ويُوفَّق للاستشفاء بالقرآن، وإِذا أحسن العليل التَّداوي به وعالج به مرضهُ بصدقٍ وإِيمانٍ، وقبولٍ تامٍ، واعتقاد جازمٍ، واستيفاء شروطه، لم يُقاومه الداءُ أبداً. وكيف تُقاوم الأدواء كلام ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إِلا وفي القرآن سبيل الدلالة على علاجه، وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهماً لكتابه. والله عزَّ وجلَّ قد ذكر في القرآن أمراض القلوب والأبدان، وطبَّ القلوب والأبدان.
فأمَّا أمراض القلوب فهي نوعان: مرض شبهةٍ وشكٍ، ومرض شهوةٍ وغي ، وهو سبحانه يذكر أمراض القلوب مفصلةً ويذكر أسباب أمراضها وعلاجها. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت: 51)، قال العلامة ابن القيِّم رحمه الله: (فمن لمن يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله).
وأما أمراض الأبدان فقد أرشد القرآن إلى أصول طبِّها ومجامعه وقواعده، وذلك أنَّ قواعد طبِّ الأبدان كلها في القرآن العظيم وهي ثلاثةٌ: حفظ الصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ الموادِّ الفاسدة المؤذية، والاستدلال بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع.
هدى ونور
ويضيف د. عطيف قائلاً: فالقرآن الكريم فيه هدى ونور، وشفاء، يهدي الله تعالى به من يشاء من عباده قال تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فصلت:44. وقال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} الإسراء:82.
ولا منافاة بين هذا والعمل بالأسباب فقد رأينا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، أنه شرع الطب والدواء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الشفاء في ثلاث: في شربة عسل، أو شرطة محجم، أو لذعة بنار). فذكر الأنواع الثلاثة للدواء الذي يتناول عن طريق الفم، والجراحة، وهي شرطة المحجم أو المشرط، والكي، وذلك هو العلاج الطبيعي، والنبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر أصحابه بالتداوي، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله). وهذا أعطى كل مريض أملاً في أن يجد لدائه علاجًا، وأعطى الأطباء أنفسهم أملاً في أن يجدوا لكل داء دواء. فليس هناك داء عضال بمعنى أنه لا علاج له، لا في الحال ولا في الاستقبال، بل كل مريض له علاج موجود، ولكن لم نعثر عليه بعد، فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله.
ولما سُئل صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها وتُقاة نتقيها؟ هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال (هي من قدر الله). يعني أن الأمراض من قدر الله، والأدوية من قدر الله. لماذا إذن نعتبر المرض من قدر الله ولا نعتبر الدواء من قدر الله؟ هذا من قدر الله، وهذا من قدر الله، فنحن ندفع قدرًا بقدر، ونرد قدرًا بقدر. هذه سنة الله، أن تدفع الأقدار بعضها بعضاً، ندفع قدر الجوع بقدر الغذاء، وقدر العطش بقدر الشرب، وقدر الداء بقدر الدواء.
ومن هنا فقد شاع الطب بين المسلمين، وتقدم الطب تقدمًا هائلاً في الحضارة الإسلامية، وكان المسلمون أئمة العالم وأساتذته في الطب، وعُرف منهم أسماء لامعة على مستوى العالم، ولأن المسلمين اعتمدوا سنة الله في الكون، فقد اعتمدوا الطب ولم يعتمدوا على الشعوذات التي انتشرت بين الأمم من قبلهم، ولم يعتمدوا على الأحجبة والتمائم وغيرها، التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها ضرب من الشرك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن بعض الأغذية فيها شفاء ودواء، مثل عسل النحل، بقوله تعالى: { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل:69.
والعقل غير المسلم لا يتفاعل إلا مع الماديات ومع ذلك فإن للقرآن الكريم سلطانه على الأسماع والقلوب والأبدان فالله جل وعلا جعل فيه البركة ومن أصدق من الله قيلا، (الله نزل أحسن الحديث كتابا)
وقد ثبت رقية الصحابة للديغ غير مسلم فقد ورد في صحيح البخاري بَاب هل يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ من مُشْرِكٍ في أَرْضِ الْحَرْبِ وأورد فيه حديث أبي سَعِيدٍ رضي الله عنه قال انْطَلَقَ نَفَرٌ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حتى نَزَلُوا على حَي، من أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلك الْحَيِّ فَسَعَوْا له بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فقال بَعْضُهُمْ لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا له بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ من شَيْءٍ فقال بَعْضُهُمْ نعم والله إني لَأَرْقِي وَلَكِنْ والله لقد اسْتَضَفْنَاكُمْ فلم تُضَيِّفُونَا فما أنا بِرَاقٍ لَكُمْ حتى تَجْعَلُوا لنا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ على قَطِيعٍ من الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ من عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وما بِهِ قَلَبَةٌ....
وكذلك تأثر الكفار عند سماع القرآن ومن ذلك ما حصل من الوليد بن المغيرة عند سماعه القرآن العظيم حيث قال: ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو وما يعلى. ومع هذا الاعتراف غلب عليه الحسد والأشر حتى قال ما حكى الله عنه (إن هذا إلا سحر يؤثر) المدثر 25.
وكذلك لو لم يكن له أثر لما كانت هناك فائدة لإسماعه المشركين حيث يقول الله تعالى: في سورة التوبة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)، ولا شك أن أمراض القلوب والصدور أشد فتكا وضراوة وضررًا من أمراض الأبدان.
الحقائق الإيمانية
ويشير الراقي الشرعي الشيخ عبدالله بن محمد الغميجان: أن القرآن كلام الله المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو شفاء لما في الصدور والأبدان إذا أخذ بصدق ويقين والله جل وعلا يقول: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} ويقول سبحانه: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن القرآن شفاء كما جاء في سورة الفاتحة وأنها رقية قرئت على لديغ فشفي وأن المعوذتين شفاء من السحر، وكذا البقرة، وغيرها.
والأمراض النفسية من جملة الأمراض المرتبطة بالوجدان والتفكير يغلب على صاحبها اضطراب في التفكير يميل إلى الوسوسة والسلبية والنظرة المتشائمة واضطراب في الوجدان يميل به إلى الضيق والملل والشعور باليأس والعجز ونحو ذلك ولا ريب أن الشيطان يستغل مثل هذه الاضطرابات لإحداث مزيد من اليأس والضيق ليحزن الذين آمنوا.
والمشكلة حيث تغيب الحقائق الإيمانية عن وعي المريض من اليقين بالله والثقة به وأن مع العسر يسرا وأن للإنسان اختياره وإرادته وأن تفكيره وفعله يؤثر فيما يحصل له أو عليه، فمن أحسن صلته بالله وبكتابه ولازم الاستغفار والتسبيح وألَحّ في الدعاء وأحسن الظن بربه وحافظ على اتزان تفكيره ووجدانه حصل له الفرج والشفاء بإذن الله، وأما غير المسلم فقد قال الله جل وعلا: {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى}، فمن استمع منهم إلى القرآن بإنصاف أفاده وأعاده إلى الفطرة وأما ما كان من مرض فيه مرتبط بالجن والسحر فلا شك أن القرآن يؤثر فيه ويبطله ويطرد الجن المعتدين عليه، السلاح موجه إلى الجن والسحر ابتداءً.