الجزيرة - خاص
إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف بالإسلام، هدف لقوى عالمية خفية، تحاول بما تملكه من مؤسسات إعلامية صحفية وتلفزيونية، وأجهزة اتصالات، ترسيخ هذه التهمة، لتخويف غير المسلمين من الإسلام، وإعطاء صورة ذهنية ونمطية مغايرة عن حقيقة هذا الدين، وسماحته، ووسطيته، واعتداله.
وعلى الرغم من أن هذه الحملات فشلت في تحقيق أهدافها، والدليل الإقبال على الإسلام من غير المسلمين، بشهادة مفكرين وسياسيين من شتى أنحاء العالم، إلا أن الحاجة لمواجهة هذه الحملات المضادة، وإظهار حقيقة هذا الدين أمر ملح، وبات الحديث عن استراتيجية إسلامية عالمية شاملة أمراً ملحاً، فماذا عن هذه الاستراتيجية؟! وكيف يمكن التصدي لهذه الحملات؟ وماهو واجب العلماء؟
طرحنا هذه القضية على اثنين من العاملين في الحقل الإسلامي على المستوى العالمي، وهما الدكتور عبدالسلام العبادي الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي الدولي، والدكتور صهيب بن حسن عبدالغفار الأمين العام لمجلس الشريعة الإسلامية العالمية في بريطانيا.. فماذا يقولون؟!
المجمع ودوره
في البداية يقول الدكتور عبدالسلام العبادي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي: هذه إسطوانة علا صوتها ويأتي ذلك في إطار الخطة التي يعتمدها الأعداء في تشويه صورة الإسلام والإساءة إليه في هذه الأيام، وهذا يحمل علماء الأمة ومؤسساتها الشرعية مسؤولية كبيرة في التصدي لمثل هذه الأقاويل الكاذبة، وإبراز الصورة المشرقة لهذا الدين وحرصه البالغ على تحقيق خير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ورفضه لمفهوم الإرهاب المعاصر المتمثل في الاعتداء على المدنيين وترويع الآمنين وقتل الأبرياء بكل وسائل العدوان والإيذاء والذي باتت صوره متعددة هنا وهناك في رحاب عالمنا المعاصر، وهذا يتطلب جهوداً كبيرة وبخاصة من خلال وسائل الإعلام المعاصرة التي تبين حقائق الإسلام وترد على شبه الخصوم ودسهم، وذلك بعلمية وموضوعية تبين رفض الإسلام لكل صور الإرهاب المعاصر، قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة، وقال عليه الصلاة والسلام:(لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم) وقال عليه السلام: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً) وهذا التنديد بالقتل الظالم يأت في إطار حرص الإسلام على تحقيق الخير والرحمة للناس جميعاً، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) سورة النحل، وقد تصدى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السابعة عشرة التي عقدت بعمان، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، إلى هذا الموضوع بجميع أبعاده وكان فيما ورد فيه قراره بهذا الخصوص:
أولاً: تحريم جميع أعمال الإرهاب وأشكاله وممارساته، واعتبارها أعمالاً إجرامية تدخل ضمن جريمة الحرابة، أينما وقعت وأياً كان مرتكبوها، ويعد إرهابياً كل من شارك في الأعمال الإرهابية مباشرة أو تسبباً أو تمويلاً أو دعماً، سواء كان فرداً أم جماعة أم دولة، وقد يكون الإرهاب من دولة أو دول على دول أخرى.
ثانياً: التمييز بين جرائم الإرهاب وبين المقاومة المشروعة للاحتلال بالوسائل المقبولة شرعاً، لأنها لإزالة الظلم واسترداد الحقوق المسلوبة، وهو حق معترف به شرعاً وعقلاً وأقرته المواثيق الدولية.
ثالثاً: وجوب معالجة الأسباب المؤدية إلى الإرهاب وفي مقدمتها الغلو والتطرف والتعصب والجهل بأحكام الشريعة الإسلامية، وإهدار حقوق الإنسان، وحرياته السياسية والفكرية، والحرمان، واختلال الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
رابعاً: تأكيد ما جاء في القرار المشار إليه أعلاه من أن الجهاد للدفاع عن العقيدة الإسلامية وحماية الأوطان أو تحريرها من الاحتلال الأجنبي ليس من الإرهاب في شيء ما دام الجهاد ملتزماً فيه بأحكام الشريعة الإسلامية.
وأضاف د. العبادي قائلاً: وهذا القرار يبين أن الإرهاب أمر آخر غير مقاومة المحتل بكل وسائل المقاومة المشروعة، وأن الإرهاب يشمل إرهاب الأفراد والجماعات والدول، وأنه كما صدر عن أشخاص ينتسبون للإسلام صدر في ظلال فلسفات وأديان أخرى، وأن للإرهاب أسبابه والتي يقع في طليعتها جهل الذين يحملون أفكاره ويقومون بأعمال لا تمت إلى الإسلام بصلة بسبب جهلهم بأحكام الإسلام وحقائقه الواضحة، وأنه يقوم على استغلال معاناة بعض الناس وظروفهم الاقتصادية الصعبة فيوجهونهم بالإغراء المادي إلى هذه الأعمال المرفوضة، بالإضافة إلى ما يعانون من إحباط وظلم نتيجة ضياع حقوق شعبوهم وعدم إنصافهم فيقعون في ردود فعل، يدفعهم إليها جهلهم ووجود من يستغلهم وهذا يتطلب جهوداً دولية لإنهاء مظاهر الظلم والمعاناة والاعتداء على الشعوب إذا أردنا القضاء على مظاهر الإرهاب والتطرف قضاء مبرماً، وإن كان هذا لا يعفي الإرهابيين من المسؤولية وبخاصة أمام اعتبار الإسلام هذه الأعمال وأمثالها من جرائم الحرابة التي جاء الحكم فيها واضحاً في القرآن الكريم: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (33) سورة المائدة.
الإقبال على الإسلام
ويقول الدكتور صهيب حسن عبدالغفار الأمين العام لمجلس الشريعة الإسلامية في بريطانيا: إن القوى المعادية للإسلام رمت هذا الدين الحنيف وحامليه من زمن قديم إلى عصرنا هذا باتهامات كثير ة متنوعة ومن بينها الإرهاب والعنف والتخلف، وقد ازدادت هذه الحركة المعادية مؤخراً عندما شاهدوا إقبال الناس بكثرة على اعتناق هذا الدين حتى بلغ عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار بحيث يشكلون 19% من جميع سكان هذه المعمورة، ولنا ولعلماء هذه الأمة ورؤساء الجمعيات الإسلامية في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حيث صبر وصابر إذا كان المقام مستدعياً عدم المجابهة فقد قال عز وجل:{لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}.
وقال د. عبدالغفار: إن دحض افتراءاتهم بالحجة والبرهان إذا كان المقام مقام الجدال بالتي هي أحسن، فليكن ديدن المسلمين اليوم الصبر أولاً إزاء الأذى الذي لحقهم من أقوال ودعايات دجاجلتهم ثم مقارعة الحجة بالحجة وإيضاح الحق على كافة وسائل الإعلام وعدم التنازل في حالٍ من الأحوال عن قيم الإسلام وأقداره ومصطلحاته فإن أعداء الإسلام درجوا على تشوية سمعة الإسلام بإلباس مصطلحاته لباس تقذر واحتقار حتى ينفر منه غير المسلم ويتراجع عنه ضعيف الإيمان من المسلمين أنفسهم، فقد فعلوا هذا بمصطلح الجهاد وثنوه بمصطلح الشريعة وبدؤوا يتناولون الآن الحجاب الشرعي بأقلامهم الساخرة القذرة.
وأشار إلى واجب الدعاة والكتاب المسلمين التصدى لهم ببيانٍ شافٍ كافٍ عن سماحة الإسلام وبعده من العنف والإرهاب بإبراز أمثلة من التاريخ، فقد ثبت أن اليهود استمتعوا بحياة طيبة آمنة تحت ظل الحكم الإسلامي في الأندلس لم يحفظوا بمثلها تحت الرومان أو المسيحين طيلة تاريخهم.
وأضاف قائلاً: من المعلوم أن المسلمين حكموا الأندلس والهند ما يقارب ثمانمائة عام في كل منهما، فلو عرفوا بالعنف والإرهاب وإكراه الناس على دينهم لصار في هذين القطرين المسلمون في أكثرية ولكن العكس هو الذي حدث بخلاف حكم الكاثوليك على الأندلس بعد سقوط غرناطة عام 1492م فلم يبق في هذه البلاد قائمة للإسلام في ظرف مائة سنة بعده حيث لاقى المسلمون أبشع أنواع الاضطهاد تحت الكاثوليك فمنهم من قتل ومنهم من شدد ومنهم من نجا بنفسه بإعتناق مذهب الحاكم وما يجري في هذه الأيام في أرض الرافدين من قتل وتقتيل وما جرى قبل ذلك في أفغانستان من حرب إبادة وهلاك من قبل أدعياء الحرية والمساواة والديمقراطية لوصمة عار في جبين الإنسانية، ومن واجب العلماء والمؤرخين أن يقوموا بإحصائية دقيقة للجرائم القذرة التي ارتكبتها القوى الغاشمة في أمريكا بخصوص إبادة الهنود الحمر، وفرض حكم عنصري ممقوت على أهل البلاد في إفريقيا الخضراء من قبل أخوانهم في الدين واللون حتى يظهر للعيان من كان هو المعتدي والقائم بالإرهاب حقيقة ومن كان فريسة لهذه الجرائم، وهكذا تنديدهم بالقرآن في قول بعض الهولنديين بأنه يدعو إلى العنف والإرهاب، وذلك بإخراج النصوص عن سياقها الزمني التاريخي فقد أورد عدد من المسلمين رووا عليهم آيات تلو الآيات من العهد الجديد والعهد القديم ما يثبت مثله لديهم أضعاف أضعاف ما في القرآن فأفحموا ولم يجدوا جواباً، وهذا من قبيل (دناهم كما دانوا) وإلا إننا لا نرضى أن ننزل إلى هذا المستوى ولكن هل عندهم من عقلاء يأخذوا بأيدي سفهائهم؟
واختتم د. عبدالغفار حديثه بالقول: دعني أقول إن الإسلام جاء ليبقى ويغلب وأنه سيتحقق يوماً من الأيام ماتنبأ به الصادق المصدوق أن الإسلام سيدخل كل بيت من مدر أو وتر سواءً بذل ذليل أو عز عزيز وما ذلك على الله ببعيد.