اشتركت في اللقاء الاول للمجالس البلدية بمنطقة الرياض الذي عقد بتاريخ 14- 6-1429هـ تحت رعاية كريمة من نائب وزير الشؤون البلدية والقروية صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبدالعزيز وبدعوة واستضافة كريمة من مجلس الرياض.
وعلى رأسه سمو أمين منطقة الرياض ورئيس مجلسها البلدي الأمير الدكتور عبدالعزيز العياف ومن خلال العديد من المداخلات خرجت بانطباع وكأن هناك من ينظر إلى المجالس البلدية على أنها أصبحت مشكلة، فسمو الأمين قال في كلمته أن هذه تجربة ولا بأس من إخضاعها بجميع تفاصيلها للمراجعة الجريئة، وذكر خيارات من ضمنها (توسيع نطاق صلاحيات المجالس) وجاء في سياق مداخلة متحدث آخر بأن البلديات كانت قبل المجالس البلدية تؤدي دورها على خير ما يرام ولم يتغير في الأمر شيء بعد المجالس البلدية، وثالث قال إن الصلاحيات غامضة أو قاصرة حيث أنتجت إشكالية أو تصادما بين المجالس البلدية والبلديات ورابع شبه الأمر بالطائر الذي جناحاه هما البلدية والمجلس البلدي ويجب أن تتناغم حركة جناحيه وإلا وقع من السماء إذا كان لكل جناح حركة خاصة.. الخ، واعتذر عن ذكر الأسماء وضبط العبارات على وجه الدقة لعدم مساعدة الذاكرة على الاحتفاظ بذلك.
ومنذ البداية كنت قد أعددت مداخلة على أساس أن موضوع اللقاء هو مناقشة محفزات ومعوقات أعمال المجالس البلدية بعد عامين من الممارسة فرفعت يدي طالبا المداخلة، ولكن لكثرة المداخلات وضيق الوقت لم يحالفني الحظ في قول مداخلتي، ولأن النقاش لم يكن سرياً وإنما كان مشهودا من وسائل الإعلام وضيوف من مجلس الشورى وغيرهم من القوى؛ وإتماماً للفائدة لا أرى بأسا من ذكر مداخلتي ههنا مع بعض الإضافات وهي أنه ومن وجهة نظري نعم المجالس البلدية تواجه مشكلة ولكن في كل حال ليست المجالس ذاتها هي المشكلة، كما لا يمكن لمنصف أن يعزو الإشكالية إلى ضعف الصلاحيات أو غموض المهام بقدر ما يمكن عزو ذلك إلى عدم قبول البلديات وتعاونها مع المجالس بالدرجة الكافية، وهذا أمر طبيعي وطبيعي جداً فالبلديات كانت تمارس مهام وصلاحيات المجالس البلدية التي هي حسب النظام اتخاذ القرار في كل الأعمال البلدية ومراقبة الأداء، ولكي يمارس المجلس البلدي دوره لا بد أن تتخلى البلديات عن بعض ما كانت تستقل به من سلطة اتخاذ القرار وتكتفي بدور التنفيذ فحسب، ومثل هذا التنازل فيه من الصعوبة ما فيه وخاصة في البدايات، كذلك القبول بالرقيب فيه أيضاً ما فيه؛ اللهم إلا إذا كان الرقيب ملتزما بشرط تناغم حركة الجناحين، أقول: الصلاحيات كما قال عدد من المشاركين قوية جداً وواضحة جداً ولا أتوقع أن يصدر نظام بصلاحيات ومهام أفضل منها أو أوضح، اللهم إلا إذا كان الحديث عن الصلاحيات والمهام البلدية بشكل عام؛ وليس صلاحيات المجلس البلدي بصفة خاصة وإذا كان هناك حاجة إلى إجراءات إضافية لحل الإشكال فالحاجة فقط هي إلى قرارات أو تعاميم وزارية تنظيمية أو لنسمها تفعيلية تكرس ممارسة المجالس لصلاحياتها ومهامها، فمثلا يصدر قرار وزاري بعدم جواز الشروع في إجراءات أي مخطط سكني ما لم تكن الأوراق مشفوعة بقرار واضح وصريح من المجلس البلدي يقضي باقتراح ذلك المكان من المدينة كمخطط سكني، كذلك يصدر قرار وزاري آخر يقضي بأنه لا يجوز للبلدية تحديد قطعة أرض أو جهة من المدينة كسوق خضار أو مواشي أو معارض سيارات أو مرافق استثمارية أو غيرها ما لم يكن هناك قرار واضح وصريح من المجلس البلدي يقضي بتخصيص هذا الموقع لذلك النشاط.. وهكذا في جميع المناشط البلدية التي هي من صلاحيات المجلس البلدي حسب المادة (23) من نظام البلديات التي تنص على أنه (يتخذ المجلس البلدي قراراته في جميع المسائل المتعلقة بالبلدية طبقاً لهذا النظام وغيره من الأنظمة) فهذه المادة تعني أن كل شيء هو من صلاحيات البلدية بموجب نظام البلديات هو كذلك من صلاحية المجلس؛ فالمجلس يقرر ثم البلدية بعد ذلك تنفذ حسب المادة (6) من ذات النظام، فهل يتوقع بعد ذلك أن يكون هناك تصادم أو تعارض بين المجلس والبلدية؟
أمر آخر أراه جديراً بالذكر وهو تحفيز أو تفعيل أو تشجيع دور العضو (الفرد) حيث ان العضو كعنصر منفرد مهما كانت لديه من إمكانات أو محاولات للنجاح أو الفعالية أو الإبداع إذا لم يتوفر له النصاب من الأصوات فإنه لا مجال لبروزه أو تأثير محاولاته، وأسوق ذلك لأنه في حالات عديدة تم إبطال مبادرة أحد الأعضاء بمجرد أن يقول رئيس البلدية بأن هذا الأمر خارج نطاق اختصاص المجلس أو أنه أمر ممنوع أو غير ممكن - واختلاف الرأي في الصلاحيات وغيرها أمر وارد - وأظن أن الإحساس بمشكلة العضو الفرد هو ما دعى الدكتور عبدالعزيز العمر عضو المجلس البلدي لمدينة الرياض أن يقول في ورقة العمل المقدمة منه خلال اللقاء (إن كل شخص يستطيع أن يكون ناجحاً ولو لوحده) وأعجبني تساؤله على لسان المواطن: (لماذا يبدو دور المجلس محدوداً؟ هل هو بسبب الكمال في الأعمال البلدية أم بسبب طبيعة المجتمع المسالمة). ويمكن تفعيل دور العضو (بمفرده) بان يعطي له حق المطالبة برفع وجهة نظره إذا تمسك بها لتدرس من قبل الجهات المختصة ثم تعاد للمجلس لإيضاح الموقف منها إما بالاتفاق معها ولو شكلاً، وإما بالاختلاف معها مع إيضاح وجه الاختلاف، وبتكرار مثل هذه الممارسات تتكرس التجربة وتتقلص الاختلافات في فهم المهام والصلاحيات. فلتفعل المجالس البلدية بشكل حقيقي على نحو ما ذكرت لمدة عامين أو ثلاثة ومن ثم فلتقيم؛ وسيكون التقييم حينئذ موضوعياً، لا أتحدث بهذا الأسلوب لمجرد أنني عضو مجلس بلدي ولكنني مهتم ومواطن ومراقب وفي ذات الوقت من داخل الميدان.
عضو المجلس البلدي في محافظة عفيف