قرأت في بعض الصحف خبراً أفرحني ولا بد أنه أفرح الكثيرين غيري.
ذلك هو ما أعلنه عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود، الدكتور فيصل المهنا عن أن إدارة الجامعة قطعت خطوات متقدمة في دراسة مشروع المركز الوطني للترجمة بالتنسيق مع الكلية.
فإذا كان المشروع لا يزال ينتظر موافقة مجلس التعليم العالي -كما ورد في هذه الصحف- فلماذا التأني في مشروع سوف يعجل بنهضة الأمة ثقافياً وعلمياً؟
ألا تذكرون دار الحكمة التي أنشأها الخليفة العباسي المأمون؟
كانت بوتقة صهرت كثيراً من مصادر العلوم والمعارف الهندية والفارسية والإغريقية عن طريق الترجمة فحولتها إلى ينابيع حضارية ناطقة بالعربية.
هل يعيد التاريخ نفسه من بوابة جامعة الملك سعود.
هذا أملنا وعساه لا يبقى مجرد أمل، بل عسى أن يصبح عما قريب خلية عمل.
مشكلة الأمل أنه قد يطول ثم يتبخر.
ألم تلمع بارقة أمل قبل عشر سنوات في الذكرى المئوية لفتح الرياض وبداية العهد السعودي الزاهر؟ وذلك حينما أعلن في حفل بهذه المناسبة أقيم في جامعة الملك سعود عن تقديم منحة سخية (أظنها كانت مائة مليون ريال) لتأسيس مركز للترجمة؟
ولكن إذا كان المشروع الجديد الذي أعلن عنه مؤخراً ينتظر فقط موافقة مجلس التعليم العالي -فإننا نتوقع أن نرى عما قريب حقيقة ماثلة أمام الأعين لا أملاً يتبخر- وليس هذا التوقع بكثير على همة الإدارة الجديد للجامعة.
إن إنشاء وتفعيل مركز للترجمة ليس بالأمر الهين. ذلك أنه يتطلب إمكانات وموارد يحتاج توفيرها إلى جهد كبير وفهم أكبر من الذين يهمهم توفير هذه الإمكانات والموارد.
لذلك لا بد أن يصاحب بناء المشروع -أو ربما يسبقه- توعية متخذي القرار بجدواه ونتائجه وأبعاده الاستراتيجية (النهضوية). و لا يكفي إلهاب المشاعر والعواطف والتذكير بالأمجاد وتبسيط الأمور من خلال الإشارة إلى نماذج قائمة (مثل النموذج السوري). بل لا بد من اتباع منهج متكامل يراعي -إلى جانب الإمكانات والموارد المطلوبة- عوامل مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر:
- من سيقرأ الكتب المترجمة (ومع الكتب جميع أنواع المنشورات) في ظل ضعف الإقبال على القراءة، لذلك فإن ترجمة الكتب التي يتوقع الإقبال على قراءتها أو التي توجد شرائح معروف أنها ستقرؤها (مثل طلاب الجامعات) هي الأولى بالترجمة.
- من سيترجم هذه الكتب: هل هم مترجمون محترفون قد يطلب منهم ترجمة كتب علمية متخصصة بعيدة عن تأهيلهم؟
لكي نعرف سوء حال مثل هذه الترجمات علينا أن نقرأ المطبوعات والتقارير التي تصدر مثلا من منظمة الصحة العالمية ويترجمها موظفو الترجمة إلى اللغة العربية، أم سيقوم بالترجمة متخصصون في العلوم المطلوب ترجمة كتبها؟
وهذا هو الأسلوب الصحيح، لكنه يتطلب أن يكون هذا المتخصص ضليعاً في اللغة العربية واللغة التي يترجم منها إلى جانب كونه ضليعاً في تخصصه.
لقد سأل أحد المشاركين في لقاء عام مع الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء الدكتور أحمد زويل عن دور الترجمة في نقل التقنية والعلوم الحديثة إلى المجتمع العربي فأجاب بما معناه أنه لا يمكن الحديث عن دور فعال إذا لم نكن نتقن لغتنا العربية أولاً.
ومعه كل الحق في ذلك فإن التعليم بأسلوب التلقين أفرز مستويات ضحلة حتى في اللغة الأم.
- بأي سرعة سوف تخرج الترجمات؟
إذ لا يمكن الحديث عن مواكبة للمستجدات في العلوم والتقنية والآداب العصرية -إذا كانت الترجمات ستخرج متأخرة عن تاريخ صدور الكتب الأصلية أو المجلات الدورية- وهذه طامة كبرى.
- كيف يتم إعداد المترجمين (سواء كانوا محترفين أو متخصصين في العلوم المترجمة).
هل سيعينون على وظيفة (مترجم) بعد تخرجهم من كليات الترجمة أو معاهد اللغات مثلا ثم يطلب منهم الترجمة أم سيبتعث المتميزون في لغتهم العربية والأجنبية إلى بلاد اللغة الأم لإتقان هذه اللغة ومعايشة المتحدثين بها لسبر أغوارها؟
- هل يستطيع المركز الوطني للترجمة (إذا خرج إلى النور) أن يستوعب ترجمة العلوم كافة وأن يحوز كل الإمكانات المطلوبة لها. سيقول القائمون على المشروع وهم -واقعيون وحكماء- بالطبع لا.
إن من نافلة القول أن نؤكد على أن ترجمة العلوم للغة العربية يفيد كل العرب، وأن الرغبة في الترجمة موجودة في سائر أنحاء الوطن العربي، بل إن هنالك مراكز متخصصة في الترجمة في عدد من الدول العربية وما يترجم في أي بلد عربي يمكن أن يقرأ في كل البلاد العربية.
إلا أن هذه المراكز منفردة تنقصها الإمكانات والموارد.
لكنها إن انتظمت في شبكة مترابطة متكاملة وأنشئت آلية فعالة للتنسيق بينها -فإنها يمكنها تقاسم الجهد وتبادل الإمكانات وتحاشي الازدواجية في نشاط الترجمة.
إن الأمل كبير في أن يقوم هذا المركز الوطني للترجمة عند إنشائه بدور ريادي في بذل جهد عربي مشترك - فهل إلى ذلك من سبيل؟