مسلمٌ عربي من الجزائر استعمرت بلاده من قبل الفرنسي عام 1830م، وقد ولد مالك عام 1905م في مدينة (تبسه) وقضى العشرين عاما الأولى من عمره متنقلا بينها وبين قسنطينة ما بين أهله ومدرسته، وكان لهذا تأثير في أحاسيس مالك بن نبي فوصف
إحساسه عن (تبسه) من خلال معطياتها البسيطة الطبيعية، وجفاف الرجل فيها، وأن هذا كله كان يحاور روحه بينما في قسنطينة التاريخ والمجتمع والتساؤلات.
وأنهى دراسته الثانوية في سنة 1952م ثم سافر بعد فترة قصيرة مع أحد أصدقائه إلى فرنسا إلا أن الرحلة لم تدم طويلا لظروف مادية اعترضتها مما دعاهم إلى بيع فرشهم وملابسهم، ولم يكن سهلا أن يجدا عملا فعاد مالك إلى (تبسه).
وفي عام 1930م عاد إلى فرنسا مرة ثانية بهدف الدراسة التي تمكن منها وتخرج في عام 1935م مهندسا، ومع ذلك لم يجد فرصة عمل فاقتحم جبهة الفكر والتفكير، وتبنى الدفاع عن أبناء العالم المستعمر حيث يشكل العالم الإسلامي جزءا كبيرا منه.
وغني عن التأكيد أن مالك بن نبي أحد أشهر مفكري القرن العشرين، ومن مؤلفاته كتاب (شروط النهضة)، وكتاب (الظاهرة القرآنية)، وكتاب (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) وكتاب (ميلاد مجتمع)، وكتاب (مشكلة الثقافة)، وكتاب (وجهة العالم الإسلامي)، وكتب أخرى.
وللتعرف على ملامح فكره حول كثير من المواضيع الأساسية، وهي كثيرة حيث نتطرق إلى بعض منها مثل مفهوم الحضارة لدى مالك بن نبي.
أيُّ حضارة هي نتاج فكرة جوهرية تطبع على مجتمع في مرحلة ما قبل التحضر الدفعة التي تدخل به التاريخ، ومن هذا المنطلق فإن معنى التحضر هو أن يتعلم الإنسان كيف يعيش في جماعة، وأن يدرك شبكة العلاقات الاجتماعية في تنظيم الحياة الإنسانية من أجل وظيفتها التاريخية، كما أنها جملة العوامل المعنوية والمادية التي تنتج لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره.
وتتواصل الرؤى فيقول: إن الحضارة الإسلامية أول ما بدأت، بدأت في ساحة العمل حين شيدوا مسجدهم الأول في المدينة المنورة، وبذلك فلقد قبضوا لأول مرة على عصا التاريخ.
وعن إفول الحضارة يقول مالك بن نبي: وبالذات الحضارة الإسلامية أنها انتهت مع انتهاء قيمة الإنسان حيث يرى أن الحضارة تنتهي عندما تفقد في شعورها معنى الإنسان، فالحضارة لا تقوم إلا على أساس من التعادل بين الكم والكيف، بين الروح والمادة، بين الغاية والسبب، ومتى اختفى هذا التعادل فإن السقطة رهيبة وقاصمة.
وعن سنن الحضارة يقول - رحمه الله -: إن الحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في صورة وحي يهبط من السماء يكون للناس شرعة ومنهاجا، أو على الأقل تكون أسسها توجيه الناس نحو معبود غيبي بالمعنى العام.
وعن التاريخ تقول رؤى مالك بن نبي، وبالذات حول سنن التاريخ: إن الأيام الكبرى في التاريخ فترات يسودها الإكبار والإجلال وتسكت فيها النزعات الخاصة وتهمد المنازعات حتى تلك التي تحركها الفوارق الإيدولوجية، وبهذا تسكن العقول والقلوب إلى بعضها.
كما أن كل قضية جليلة تضع بصماتها في مصير الإنسانية وتترك صداها في التاريخ ترسم على مركب الزمن وجوها كريمة تمثلها، ويرى أن إرادة الشعوب طاقة من طاقات الحياة التي تقلب التقديرات، ولا يمكن مقاومتها فإن انتصار هذه الشعوب قدر حتم من أقدار التاريخ.
كما أنه يعتقد أن التاريخ لا ينضغط ولا يعود إلى الوراء، وليس من قوة في الأرض تستطيع أن تحد مجراه أو أن تعيد اطراده.
ومن عادة التاريخ كما يرى أنه لا يلتفت للأمم التي تغط في نومها، وإنما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا، وتزعجها حينا آخر؛ تطربها إذ ترى في منامها أبطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم، وتزعجها حينما تدخل صاغرة بسلطة جبار عنيد ولا بد أنه متأثر بنتاج استعمار بلده وغيرها من بلدان العالم التي ظلم فيها الناس.
هذا بعض قليل من اهتمامات مالك بن نبي والكثير مما ألّف أو حاضر حوله يتجاوز عجالة في مقال؛ فلقد استحوذ على اهتمامه العديد من قضايا القرن المنصرم، وتناوله برؤى فلسفية وفكرية أكسبته شهرة مميزة، وعن الإسلام ألف الكثير مفكرا ومحللا برؤى تلح على أن الإسلام روح لكل جسد على هذه الأرض بالفطرة والممارسة لكثير من سنن الله حتى وإن لم يؤيد هذا إيمان وتوحيد.
حقاً إن أبناء هذه الأمة جديرون بالتأمل في فكر عملاق مثل مالك بن نبي - رحمه الله - حيث انتقل إلى رحاب ربه عام 1973م.