سأتنحى جانباً عن الحديث حول الأندلس، والتغني بتاريخها ورقة أهلها، وعذوبة شعرها، لأذكر في هذه المقالة شيئاً عن واقع الحال في زماننا هذا، طارحاً أمام ناظري القارئ الكريم بعضاً من الاحصائيات الزراعية لأهم المحاصيل ليتعرف على واقع الحال في الإنتاج والتصدير والاستيراد، وموقع عالمنا العربي من ذلك. ومع أن الأرقام ذات صبغة جافة لا يستسيغها بعض من القراء إلا أن دلالاتها في الغالب تكون أكثر تعبيراً عن المفردات اللغوية المنمقة التي قد لا تمد صاحب الاهتمام بما يبتغيه.
وأهم المحاصيل الزراعية التي نركز عليها في هذه العجالة هي القمح والشعير والذرة، وهي أهم المحاصيل بالنسبة للمملكة إضافة إلى الأرز، فهذه المحاصيل هي زادنا وعلف مواشينا، ومنها نقتات وبها نعيش.
ولنتجاوز إحصائيات الإنتاج من القمح لنلقي الضوء على الاستيراد، فنجد أنه لم يكن كبيراً في أمريكا الجنوبية حيث بلغ 5.1 طن في البرازيل، 3.5 في المكسيك، 1.4 في كولمبيا، أي أننا نتحدث عن كمية استيراد تبلغ نحواً من عشرة ملايين طن في عام 2008م. وعندما ننتقل إلى أفريقيا فإن الأرقام تختلف لتقفز قفزة واضحة حيث تستورد مصر منفردة نحواً من سبعة ملايين طن، والجزائر بنحو 3.5 مليون طن، ونيجيريا بنحو 3.3 ملايون طن، بينما يستورد المغرب الشقيق نحو 2.5 مليون طن، علماً أن استيراده في العام السابق قد بلغ 3.4 مليون طن. أما تونس فهي تستورد قمحاً تبلغ كميته نحواً من 1.4 مليون طن. علماً بأن هذه الأرقام لا تشمل القمح الصلب المسمى (ديورم)، وهو القمح الذي يستخدمه سكان الشمال الأفريقي في غذائهم المسمى (كسكس). ولو أضفنا ذلك النوع من الأقماح لحق لنا أن نضيف إلى الجزائر نحواً من 1.5 مليون طن وللمغرب نحواً من سبعمائة ألف طن. وهكذا تشهد الأرقام بأن الواقع يتحدث عن عجز كبير في إنتاج القمح في عالمنا العربي، وحاجة متزايدة للاستيراد من الأسواق العالمية التي ليس فيها قط بلداً عربياً واحداً قادراً على سد هذه الفجوة الغذائية.
والعالم ينتج من الشعير نحو 142 مليون طن يستخدم منها نحو 44 مليون طن في صناعات غير علفية، ليكون المستخدم في الأعلاف نحو 98 مليون طن، وهذه الكمية لا يتوفر منها في السوق العالمي للتصدير سوى نحو 16 مليون طن. تتربع المملكة العربية السعودية على العالم أجمع في الكميات المستوردة منه حيث تبلغ نحواً من 7.5 مليون طن أي 45% تقريباً من إجمالي الكميات المتاحة في السوق العالمي بينما يتقاسم العالم الكمية الأخرى، ومن تلك الدول اليابان والصين، والأردن وتونس والمغرب. والذرة محصول آخر من المحاصيل المهمة في صناعة الإعلاف، والإنتاج العالمي منه يبلغ نحو (775 مليون) سبعمائة وخمسة وسبعين مليون طن يستخدم أغلبه داخل الدول المنتجة له بينما يتم تصدير الفائض إلى بعض الدول التي لديها فجوة إنتاجية منه، مثل أوروبا التي تستورد نحو 6 ملايين طن، في وقت وصل فيه استيرادها في العام الماضي إلى نحو 14 مليون طن. أما المغرب الشقيق فقد كان استيراده في السنوات الثلاث الماضية مستقراً عند 9 ملايين طن أو يزيد قليلاً، في وقت كانت وما زالت مصر الشقيقة تستورد نحواً من 5 ملايين طن. وتبقى الجزائر عند استيراد سنوي بنحو 2.2 مليون طن، وكولمبيا بنحو 4 ملايين طن.
هذه الأرقام المذهلة لاستيراد محاصيل مهمة جداً يجعلنا نقف مشدوهين أمام فجوة غذائية هائلة لعالمنا العربي، ساعدت العوامل الطبيعية في جزء كبير منها، بينما كانت السياسات الزراعية المتبعة سبباً آخر في هذه الفجوة الهائلة، وليس المهم لماذا ولكن كيف لنا أن نعمل على سد هذه الفجوة ولا سيما وأن إنتاج عالمنا العربي من المنتجات الزراعية الأخرى في محصتله النهائية يعطي أرقاماً سلبية عند حساب العجز في القيمة بين الاستيراد والتصدير، وهذا يهدينا إلى أن الإنتاج الزراعي في مجمله يشكل فاتورة كبيرة من الناحية المالية إضافة إلى الأمن الغذائي المرافق لتلك الفاتورة.
هذا الحديث يجبرنا إلى عدم إغفال الأمن المائي للاستخدام المدني الذي يعد أهم من الأمن الغذائي لأن الحصول على المحاصيل الغذائية ممكن من خلال الاستيراد، أما الأمن المائي فليس له من سبيل سوى التحلية التي ستظل عنصراً مهماً في ري رمق كل عطشان، ولن نحقق من خلالها الأمن إلا إذا كانت سواعدنا قادرة على تصنيع معداتها وتطويرها لتكون أقل كلفة وأكثر إنتاجاً، وهي أحق بالاهتمام والدراسة من كليات أخرى رغم أهميتها.