|
لا غرابة أن يحظى شعر المتنبي باهتمام الأدباء والنقاد في كل عصر وما زال الناس يكثرون الحديث عنه حتى قيل قديما ثلاثة لا ينتهي الكلام فيهم الثعابين والعفاريت وأبو الطيب ولقد قال ابن رشيق (جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس).. ولقد اهتم دارسوا حياته وشعره بناحيتين إحداهما جوانب حياته حيث كانت مضطربة يلفها الغموض من بعض جوانبها ويخرج بها عن النسق الذي ألفه الناس في حياة الشعراء والثانية شعر المتنبي وما أتيح له من ذيوع وشهرة لم تتح لشاعر قبله حيث سارت في مختلف الأرجاء وما زالت مسيرته شعره ممتدة إلى اليوم فما من شاعر أو أديب إلا ويحفظ شيئا من شعره ويروي له من القصائد والأشعار أكثر مما يروى لغيره من الشعراء الأفذاذ من القدماء والمعاصرين ولقد قال العقاد: إن الحسد هو السبب الأكبر في شهرة أبي الطيب لأنه خلط بين السبب والنتيجة وكما قال أبو تمام: |
وإذا أراد الله نشر فضيلة |
طويت اتاح لها إنسان حسود |
ولقد كان المتنبي منذ نشأته كبير النفس عالي الهمة طموحا إلى المجد بلغ من كبر نفسه أن دعا إلى بيعته بالخلافة وهو حديث السن وسجن ثم أطلق ولكن حب الرياسة لم يتمكن من نفسه ثم ادعى النبوة في الشام وفتن مجموعة من الناس بقوة أدبه وسحر بيانه حتى قبض عليه أمير حمص فأوثقه ثم أطلقه بعد أن استتابه وتنقل بين البلدان وتجشم الأسفار كما قال: |
وحيد من الخلان في كل بلدة |
إذا عظم المطلوب قل المساعد |
ولعل الذي أود الحديث عنه في هذه العجالة الحكمة في شعره وما تميزت به تلك الحكمة حيث صارت أمثلة ينشدها الناس وزينة الأقوال وجرت مجرى الأمثال ومن ذلك قوله: |
إن بعضا من القريض هذاء |
ليس شيئا وبعضه أحكام |
منه ما يجلب البراعة والفضل |
ومنه ما يجلب البرسام |
|
على قدر أهل العزم تأتي العزائم |
وتأتي على قدر الكرام المكارم |
ويقول بعض دارسي شعره: لو تمت الولاية له لأراحته من حيرته وحمته من هواجسه وأحلامه كما قال: |
واتعب خلق الله من زاد همه |
وقصر عما تشتهي النفس وجده |
ولقد كان يروم المعالي كما قال: |
إذا غامرت في شرف مروم |
فلا تقنع بما دون النجوم |
فطعم الموت في أمر حقير |
كطعم الموت في أمر عظيم |
|