لماذا لا تشتعل الغيرة في قلوبنا حينما نسمع، أو نرى شهرة جبال الإنديز تدوي في كل مكان من الكرة الأرضية؟! ولماذا لا نتدبر أمر هذا السحر الذي يبثه الجبل العنيد في قلوب أهله الذين يعشقونه حتى الجنون؟ بل ولشدة حُبهم للإنديز يرتمون في أحضانه، ويقيمون حوله في دول كثيرة تحفه من كل الجهات، في الشمال الغربي من القارة الأمريكية الجنوبية!
بنات الجبل الثلاث: (الإكوادور) بلد صديق، (بوليفيا) بلد شقيق، و (بيرو) بلد رفيق في دروب النضال ضد مفهوم العالم الثالث الذي ينعتونه فيه معنا عنوة، رغم أن البيروفيين نسجوا من التاريخ والحضارة والأدب شعراً ورواية ما يميزهم عن عالمنا الثالث الحقيقي، بل يبقى نضالهم الكروي الناصع حينما يتجلى لاعبو كرة القدم المميزين في درء تهمة التخلف بفن ومهارة تذهلنا وتطرب الإنديز وأهله.
قبل علاقاتنا الكروية المميزة مع جبال بلاد الإنديز -ولا سيما في غمار حروب دوري أبطال أمريكا الجنوبية أو اللاتينية أو تصفيات كأس العالم الطاحنة- تبقى صورة جبال الإنديز شامخة في التاريخ حيث سبقت (كرة القدم) الثقافة والأدب والمؤلفات والشعراء، بل وقبلهم شهوة الاستعمار التي جعلت من الإسبان غزاة لا يستطيعون مغادرة سفوح هذا الجبل الشامخ الأشم، بل تسرب الوجد والهيام بالإنديز إلى ما ذهب إلى منافستهم في الاستحواذ على خيراته.
(بوليفيا)، (الإكوادور)، و(بيرو) -كما أسلفنا- دول الجبل الكبير، والشامخ، والحاوي على أسرار وخيالات وأساطير، بل فيه من الواقع كما تقول دعايات السياحة والترحال ما يفوق الخيال إلى حد الخبال (مناظر تهبِّل)، بل نراهم يدعون السياح والضيوف من كل أنحاء العالم لحضور حفل عيد ميلاد جبل (كوردييرا) في هذه الأيام، وهو أطول جبل في سلاسل الإنديز ارتفاعاً، ويقول عارف حصيف: إن موعد حفل عيد الجبل كان في الشتاء القارص، إنما لذكاء أو حيلة ما، ومن أجل جلب السياح فقد وضع في الصيف.
فرغم أن بنات الجبل الثلاث -كما يطلق على تلك الدول- تختلف كثيراً وتتناحر كلما جمعت كل دولة ما منها أسلحة للفتك بأخرى باسم استعادة الحقوق وبسط السيادة، إلا أنها ومع هذا التناحر والتباين لا تخفي اتفاقها على حب (الإنديز) وتطرب لسماع أي حديث عن أي (إنسان رمز) هبط من الجبال وتميز في أي فن من الفنون، حتى الأرجنتين وتشيلي تدخلان على الخط، لتشنفا آذان التاريخ والناس بأن لهما حق في حب الإنديز والانتماء إليه، لذلك نراهم يجاهرون بالحب، وبالانتساب المعنوي إليه.
أهل الإنديز الأوفياء (طبعا العنصريون في نظرنا) هذه الأيام يجأرون بالشكوى، ويرفعون المطالبة تلو الأخرى من أجل النظر في أمر انحسار مياه الأنهار، وذوبان الجليد من قمم جبلهم الشاهق، فما دامت مجتمعات الإنديز تحب جبلها، وتبذل من أجله، فلماذا لا تشتكي إلى الأمم المتحدة وغير المتحدة، والبنك الدولي، والمنظمات الإقليمية لعلها تجد حلاً مناسباً لبقاء جبلهم حياً ومشرقاً؟
نعرف جميعاً أن شعراء وأدباء انحدروا من الإنديز ودوت شهرتهم في الآفاق على نحو الشاعر الشهير (نيرودا)، والروائي (غابرييل غارسيا ماركيز)، و(بورخيس) و(ماريو يوسا) وغيرهم ممن لا يزالون يحبون الإنديز، وينتسبون إليه، فهب أن أحداً من الكتاب الذين ينتمون إلى سلاسل جبال (السراة) في المملكة ألف شعراً، أو رواية عن منابته الأولى في هذه الجبال، فكيف سيكون تقبلنا لهذا المشروع وأي نعت سنقوله عنه حينما يقدمه للقارئ. أعرف أن أول عبارة سنتحفه بها هي أن نتهمه بأنه عنصري، يحب سلاسل جباله (السراة) ويكتب عنها!!
hrbda2000@hotmail.com