مدينة جدة اليوم الأحد ستكون محط أنظار العالم، وقبلة رجال المال والأعمال في شتى البقاع، وستتصدر مدينة جدة نشرات أخبار محطات الإذاعة والتلفزة والصحف من خلال مئات المراسلين الصحفيين الذين تقاطروا على هذه المدينة الساحرة منذ عدة أيام؛ ليبثوا كل شاردة وواردة عن أنباء أكبر تجمع نفطي على مستوى العالم، دعا إليه بحكمته المعهودة ونواياه الصادقة والنقية خادم الحرمين الشريفين تحت مسمى (اجتماع جدة للطاقة).
سيصغي العالم آذانه ليلتقط بارقة أمل تعيد أسعار النفط إلى حدودها المعقولة، وتُبعد عنه وتفتت هذا الشبح الذي غلّف ولفّ هذا السائل الأسود بمضاربات لا يعلم أحد مصدرها.. ولم يفسر آخرون كنهها حتى صعدت بها إلى أسعار تجاوزت حدود المعقول، وفاقت تقديرات أكثر الخبراء تفاؤلاً، ووصلت إلى حدود لم يجد لها كبار المحللين الماليين في الشركات والمراكز المالية الكبرى حول العالم أي تفسير. وليت فشلهم هذا توقف عند هذا الحد.. بل إنه لما ثبت عجزهم وضعف حيلتهم عن إيجاد أيما تفسير منطقي وعلمي لما يحدث في الأسواق من جنون المضاربات لم يكن لهم من مخرج سوى توجيه سهام الاتهام إلى كبار المنتجين لهذه المادة التي يعتمد عليها العالم في كل شؤونه، من أنهم لو زادوا وضخوا كميات أخرى إضافية من النفط على كمياتهم المنتجة حالياً لأمكن للأسعار أن تستقر، وأن مزيداً من البراميل المنتجة من النفط هي الحل والملاذ لكبح جماح الارتفاعات السعرية، وهم بذلك يضعون اللوم على كبار المنتجين وتحديداً الدولة الأكبر إنتاجاً للنفط في العالم ألا وهي المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من إعلان المملكة العربية السعودية الدائم ومنذ سنوات عدة من خلال وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي في اجتماعات الدول المنتجة للبترول وغيرها من المناسبات من حرص المملكة الدائم على تهدئة الأسواق والتوازن في العرض والطلب، وأن الارتفاعات التي تشهدها الأسواق العالمية ما هي إلا نتيجة مضاربات محمومة لا يد للدول المنتجة وعلى رأسها المملكة بها لا من قريب أو بعيد.. ومع ذلك فلم تكن لتجدي كل التصريحات وأساليب التهدئة نفعاً في إقناع المضاربين بوقف هذا الصعود المجنون في الأسعار، بل إن هذه المضاربات وصلت إلى حدود لم تكن لتبلغها الأسعار بأي حال من الأحوال عند حدوث الكوارث أو الحروب وما شابهها.. ولما كان الأمر كذلك تدخل بحكمته المعروفة صاحب المبادرات البناءة، والرجل الذي عرف في شتى البقاع بصدقه ونقائه وحرصه على شعبه وشعوب العالم أجمع خادم الحرمين الشريفين فأعلن الدعوة لاجتماع عاجل لبحث موضوع اضطراب الأسعار في الأسواق النفطية العالمية.. وهو - حفظه الله - بهذه المبادرة الصادقة يجسِّد ما يعرفه العالم كله عنه من حرص واهتمام على أن تسود الطمأنينة والوئام شتى البقاع.
إنَّ هذا الاجتماع الذي سمي (اجتماع جدة للطاقة) إنما هو دعوة صادقة من رجل صادق للحوار والمكاشفة واستجلاء الأمور، ولإيضاح الحقائق والبحث عن حلول تساعد في وقف هذا الصعود.. ما دام أن الحضور لهذا الاجتماع جميعهم ممن لهم اهتمام مباشر بهذا العنصر الحيوي والمهم لإنتاج الطاقة.. وبالتالي فما دام أن هناك دولاً تجاوزت 35 دولة من بين الحضور، ومنظمات دولية كبرى في مجال الطاقة وشركات نفطية عظمى على مستوى العالم وكبار المنتجين.. جميعهم تحت سقف واحد، فإن المسؤولية أصبحت على الجميع الآن لمنح الأسواق التوازن المعقول بين ما يتم إنتاجه، وما يتم طلبه من المستهلكين.
ولو لم تكن المملكة العربية السعودية بقيادة مليكها المفدى وسمو ولي عهده الأمين وأعضاء الحكومة على قناعة تامة وإدراك حقيقي من أن حرصها كان ولا يزال وسيظل على أن السياسة النفطية السعودية عنوانها وصلب موضوعها وحقيقة محورها هو تأكيد الثبات على مصالح المنتجين والمستهلكين، وتجسيد كامل وصادق لأن تشهد أسعار النفط استقراراً يكفل تدفق هذا السائل بسلاسة وأمان إلى جميع المستهلكين في كافة أرجاء العالم.
من هنا.. فلو كانت لدى هذه المملكة نوايا غير صادقة عما كانت تعلنه من السابق لما كانت أبداً بحاجة إلى دعوة العالم، كل العالم، بأسمائهم وأنظارهم إلى مدينة جدة؛ لتؤكد لهم في ذات الوقت أنها مع الأسعار المعتدلة للنفط وضد الارتفاعات الحادة وغير المبررة التي تشهدها الأسواق، وأنها في ذات الوقت لن تألو جهداً أو تدخر وسعاً في كل ما من شأنه يعزز استقرار الأسواق العالمية؛ فالمملكة لم تُعرف إلا صادقة في نواياها المعلنة وغير المعلنة ما دام أن قائدها وباني مسيرتها الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد أخذ على نفسه وعداً باتخاذ الصدق له طريقاً ومنهجاً يسير عليه - حفظه الله - في كل ما من شأنه رفعة بلاده ومواطنيه، وبما يكفل استقرار العالم وشعوبه من حولنا.
نائب رئيس التحرير