الجزيرة - الرياض
رعى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة المدينة المنورة، لقاء معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، بالأئمة والخطباء والمؤذنين والدعاة في المدينة المنورة، حيث كان في استقبال سموه لدى وصوله مقر الجامعة الإسلامية معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ، وبعد أن أخذ سموه مكانه في قاعة الاجتماعات الرئيسة في الجامعة، ألقى سمو أمير منطقة المدينة المنورة كلمة بهذه المناسبة، جاء فيها: عندما نتحدث عن رسالة المسجد، إنما نتحدث عن جانب له قيمة كبيرة في نفوسنا جميعاً لأن المسجد هو الذي انبعث منه نور الإيمان ليعم أرجاء المعمورة، ومنه كانت الانطلاقة الأولى للدعوة الإسلامية لتشمل كل جوانب الحياة، وهو المدرسة التي تخرج منها أفضل العلماء كما أنه يمثل الرمز الثابت للأمة الإسلامية بما يشكله من وسيلة للترابط بينهم، ويهيئ لهم الاتصال الدائم بخالقهم - جل وعلا -.
لقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالمساجد، فأطلق عليها بيوت الله، وجاء النص القرآني: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، ثم جعل الإسلام إمامتها من ضمن الولايات الدينية التي لا يتحملها إلا من عرف في نفسه القدرة على الوفاء بمتطلباتها فهي لم تكن مجرد وظيفة، وإنما مسؤولية ترتبط بأهم الدرجات التي يحملها الإنسان.
أيها الأخوة: لقد اهتمت بلادنا ولله الحمد منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - إلى يومنا هذا بالمساجد وأولتها عناية خاصة، وهيأت لها جهازا مستقلا يتولى جميع شؤونها، واختارت نخبة من أهل العلم والإصلاح للقيام بشؤونها، وأن من يستعرض تاريخ الأمة الإسلامية يدرك كيف أدى المسجد دوراً عظيماً في بناء هذه الأمة، وصلتها بالمعرفة وأن هذا الدور سيبقى - بإذن الله - إلى يوم الدين وتزداد الحاجة إليها كلما تعاظمت شؤون الحياة وتوسعت جوانبها، ومن هنا يجب علينا أن ندرك جيداً أن تعظيم المساجد والعناية بها لا يتوقف على إجادة فن عمارتها أو إطالة بنائها، وإنما (بصيانتها من أي عبث)، وهذا لا يتوقف عند أي حد معين بل يشمل على ما يخالف أهدافها سواءً كان ذلك بالفعل، أو بالقول وإذا كان ذلك يتعلق بوجودها فإن متطلبات (إمامتها) أهم لأن المسؤولية هنا عظيمة نحو توجيه المجتمع، مراعاة أحوال المتلقي في كل وقت.
أصحاب الفضيلة: إن التجارب علمتنا أن نعي أهمية دورنا، وأن نكون مخلصين في أداء مهامنا على أكمل وجه، وأن نكون حذرين من كل من يريد بأمتنا ومجتمعنا شراً ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال الوعي الشامل وتفهمنا لأهدافنا بكل وضوح، وأن نكون يداً واحدة ومتعاونين على البر والتقوى، ولا شك أن مسؤوليتكم كأئمة مساجد، وخطباء أكبر من غيرها فنحن أمام مشكلات وظواهر متعددة تتطلب الوقوف عندها طويلاً لحماية مجتمعنا وأمنه، والحفاظ على مكتسباتنا الوطنية لعمارة الأرض.
على أئمة المساجد والخطباء أن يدركوا قبل غيرهم أن مجتمعهم أولى بالتوجيه والاهتمام، لأنه من غير المقبول أن تتجه الجهود إلى بحث القضايا البعيدة أو التدخل في شؤون الغير على حساب القضايا الداخلية، كما أن التوسع في تناول بعض القضايا قد أوجد حالة من عدم التوازن في الطرح، وبدلاً من توجيه المجتمع نحو التقدم للأفضل بروح إسلامية واعية، إذا بنا نفاجأ باستغلال المساجد والمنابر من قبل البعض لتسويق أفكار هدّامة، أو إثارة فتن كانت خامدة، وتسببت هذه الأفكار في الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين دون تمييز.
إن المساجد لم تكن يوماً من الأيام مكاناً للإثارة، أو التهييج أو التحريض، أو السباب، أو الشتم أو إلصاق التهم بالناس دون دليل شرعي، وإنما مكاناً للإصلاح، والدعوة الصادقة والتلاحم والترابط، وإذا كانت بلادنا - ولله الحمد - تنعم بهذا الاستقرار، ومساجدنا تؤدي رسالتها على أكمل وجه، فإننا مطالبون كمسؤولين، وخطباء وأئمة مساجد أن نعي دورنا جيداً للمحافظة على هذه المكتسبات، وعلينا أن نوجه أهدافنا بكل صدق لخدمة هذا المجتمع وأمنه، إذ لم يعد الأمن الاجتماعي في حياتنا المعاصرة مجرد هدف اجتماعي وطني، وإنما أصبح هدفاً حضارياً شاملاً ينطوي على جوانب سياسية، وثقافية، ووطنية لا تقل أهمية عن جوانبه الاجتماعية، وأصبح تحقيقه مطلباً لا غنى عنه باعتباره مظهراً من مظاهر القدرة على التحرر من المؤثرات الخارجية.
علينا أن نسعى إلى تثقيف المجتمع بكل فئاته، وأن نساعد في بناء الوجود الاجتماعي الذاتي، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الحديث عما يهم المجتمع بدلاً من صرف الجهود في الحديث عن مسائل قد لا يستوعبها المتلقي في المسجد، وعلينا ألا نكتفي بلغة الوعظ والإرشاد فقط، وإنما بنشر القدوة الصالحة الصادقة، وحث الناس على الالتزام بالحدود التي أمر الله بها وعلى رأسها الطاعة بالمعروف لمن أمرنا المولى - عز وجل - بطاعتهم من ولاة الأمر، وأن نعالج القضايا ونطرحها بعيداً عن التشنج والانفعال وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وألا نحول المساجد إلى منابر للتطاول والتجاوز لزرع بذور الفتنة، والخروج عن منهج السلف الصالح.
بعد ذلك ألقى معالي الوزير الشيخ آل الشيخ كلمة وجهها للأئمة والخطباء والمؤذنين والدعاة في المدينة المنورة أعرب في بدايتها عن جزيل الشكر والامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز آل سعود على تشريفه ورعايته اللقاء خاصة ولأعمال الوزارة بعامة، كما ثمن معاليه الكلمة الضافية التي ألقاها سموه الكريم في اللقاء والتي وصفها بأنها كانت نيرة مبينة وموضحة.
كما شكر معاليه المسؤولين في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية على استضافتهم هذا الملتقى في رحابها.
وأوضح معاليه أن إمام المسجد وخطيبه والذين يعملون في المساجد من العلماء والدعاة ويحاضرون فيها هؤلاء هم الذين يقوم عليهم البناء الشرعي والمعنوي والتربوي لما يكون في المساجد، لذا كان من الواجب أن نكون متابعين لما في الأدلة من الكتاب والسنة، وما في القواعد الشرعية التي قدرها أهل العلم وما في كلام العلماء بما يتصل بعمل الإمام والخطيب والداعية.
وأبان معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم- كانت قصيرة محتواها التذكير بوحدانية الله - جل وعلا -، وعظة الناس للاستعداد للقاء الله وربما ذكر أشياء أخرى، لذلك كان من السمة الظاهرة في عمل الخطيب الموعظة أنه يعض الناس والموعظة بمفهومها الشرعي تشمل كل تدبير بما أمر الله -جل وعلا - به أو نهى عنه -جل وعلا -، أو أمر به - صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا يظهر أن السنة واضحة في أن من صفة خطبة الجمعة أنها تكون قصيرة وليست نصف ساعة، أو شبه ذلك، أو ثلث، أو عشرين دقيقة، أو خمس وعشرين دقيقة لو خطبنا بخطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تتجاوز عشر دقائق، أو سبع دقائق في الخطبتين جميعاً قد تطول أكثر من ذلك قليلاً لكن ما تذهب إلى أضعافها فنكون مخالفين للسنة.
وأضاف معالي الشيخ صالح آل الشيخ يقول: إنه لهذا يقول الكثير من الخطباء: إن تأثير الخطبة على الناس أصبح ضعيفاً، وهذا صحيح، وهذا له أشباه كثيرة، منها التطويل فإن تطويل الخطب لا يجعل الناس يفهمون المراد.
مشدداً على أن مهمة الخطيب هي الإصلاح، لكن الإصلاح لا يكون بالخروج عن الشرع، ولا يكون بالخروج عن الجماعة، ويحدث الفتن بينهم، مثلما يحدث الآن عندما تنشر بعض الأحيان بعض الصحف مقالات أو تحريات إلى آخره عن بعض المنكرات الموجودة التي تحصل في المملكة من الوقوع على المحارم وهذا لا يجوز له أن ينشر ذلك، لأن هذا من إشاعة الفاحشة في المؤمنين، إذا كان هؤلاء ليسوا متأهلين بالشرع ليعلموا الحدود يجوز وما لا يجوز، ويعتبرون كل خبر أنه يكون سبقاً صحفياً ينشر ليسوا لهم كذلك، ولا يجوز لهم هذا فكيف أن يقال هذا في المساجد لا يجوز أن يقال بحال، ولذلك بعض المنكرات التي تحصل إذا ذكرت زادت، وإذا لم تذكر لم تضر إلا صاحبها، وهذا مقصد ومطلب مهم لابد من الانتباه له، ذكر الخير يشيعه، ذكر الحسنات يشيعها الثناء على أهل الخير وأهل الحسنات يزيدون الرابط في ذلك لكن ذكر الشر وأنه استفحل وانتشر، وأصبح، وأصبح، وأصبح، هذا يزيد من الشر وذلك جاء في الحديث الصحيح: (من قال فسد الناس فهو أفسدهم).
ولفت معاليه النظر - سياق كلمته - إلى أن الإرهاب اليوم له خلايا نائمة كثيرة، وقال: إن الخوارج - خوارج العصر- من أين نشأوا؟، نشأوا من شبابنا، وهؤلاء الشباب من أين؟ كثير منهم بوابة المسجد، وكثيرون ممن نوقشوا ممن دخلوا مع الفئة الضالة أول الطريق يظنون أنهم سيجاهدون في بلد كذا وكذا المحتلين، ثم آل الأمر إلى أنهم ألزموهم إلى أن يكون العمل وهذا في بلاد السلام، وديار التوحيد لهذا لابد أن يضع الخطيب من غرسه في موضوع مهم.
وأوضح معالي الشيخ صالح آل الشيخ أن الفئة الضالة لها مأخذان: مأخذ فكري ومأخذ عملي، المأخذ الفكري هو الانحراف والبدعة والتكفير، والمأخذ العملي هو ما يحدثونه في البلاد من تفجير وتدمير وإزهاق للأنفس وخروج عن الولاية، المأخذ الأمني يجب علينا جميعاً أن نتعاون فيه، والمأخذ العلمي الشرعي الفكري أول مسؤولية تقع على الأسرة، ثم على إمام المسجد، الأكثر على أهل العلم والدعاة لأن الأكثر منهم تشهدهم في المساجد، لهذا واجب علينا على مستوى الأئمة والدعاة والوعاظ أن نحيي رسالة المسجد في تحصين الشباب من مزايغ التكفير والضلال، وهذه رسالة نريد أن ننطلق بها انطلاقاً كبيراً - إن شاء الله تعالى -، وإذا قمنا بها فإن منزلتنا بإذنه تعالى عالية عند الله - جل جلاله -.
بعد ذلك قام مدير عام فرع الوزارة بالمدينة المنورة بتسليم درع تذكاري لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة المدينة المنورة، وكذلك سلم درعاً آخر لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.