توقفتُ طويلاً عند قصة حياة البعوضة، وتأملتُ أطوار نشأتها من خلال مقال نُشر في مجلة (ضياء) الصادرة عن جمعية تحفيظ القرآن في الزلفي، كتب المقال د. عاطف الهندي، بعد أن أورد في أوله قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ}.

ما أجمل آيات القرآن الكريم، وما أبلغ كلماتها، وما أوضح معانيها، وما أسمى بيانها!!، تتضاءل - والله - كلماتنا شعراً ونثراً أمام كلمة واحدة من كلمات هذا النسق القرآني العجيب.

تأمّلوا معي - أيها الأحبة - قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} سؤال يدل على عقول مغلقة، وقلوب مريضة، ونفوس قد عميت بصائرها، وهو سؤال مخجل يدل على تدنّي مستوى سائله، وسوء ظنه، وانغلاق فهمه، ولعلكم تقيسون عليه عشرات الأسئلة التي يطلقها بعض مفكري ومثقفي وكتّاب هذا الزمن، يشكّكون بها فيما شرع الله لعباده، ويتطاولون على ربهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

عذراً فقد أخذتني هذه الآية الكريمة إلى عوالمها العظيمة، فأبعدتني عن عنوان مقالتي (البعوضة) وأقول: يقول د. عاطف الهندي: ولماذا لا يستحي جل جلاله من ضرب البعوضة مثلاً؟ لأنه الحق وما يقوله الحق، وأضيف على كلام الدكتور قولي: ولأنه سبحانه وتعالى أعلم بما خلق فهو المطّلع على عجائب هذا المخلوق الصغير التي أودعها فيه سبحانه وتعالى، وهو الذي قال في سورة العنكبوت {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} وقد علّق على هذه الآية أحد علماء السلف وهو (عمرو بن مرّة) قائلاً: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني لأن الله تعالى ذكر أن آياته لا يعقلها إلا العالمون.

البعوضة: حشرة ثنائية الجناحين، تشترك مع الذباب في عائلة واحدة، ويوجد البعوض في أنحاء العالم كلها - ما عدا القطبين - ولا توجد على ارتفاع (5500م) أو انخفاض (1250م) من سطح البحر، وللبعوضة أربعة وثلاثون نوعاً، وتضم ثلاثة آلاف ومائة فصيل، وتضع بيضها في مياه البرك، والبعوضة الواحدة تضع في المرة الواحدة (170) بيضة، أي بمقدار ألف بيضة خلال حياتها، أما في شهور الصيف والخريف فإنها تضع بيضها على الأوراق الرطبة، أو بجانب البحيرات اليابسة.

فالبعوضة الأم تقوم بالبحث عن المكان المناسب لوضع بيضها بواسطة اللاقطات الحسّاسة الموجودة تحت بطنها، فإذا وجدت المكان المناسب تضع بيضها واحدة فواحدة، أو مجموعات مع بعضها، وتضعها مرتّبة في صف واحد، وقد تقوم بربط بويضاتها ببعض ثم تضعها، وقد يصل عدد البيض الذي تضعه البعوضة الواحدة إلى ثلاثمائة بيضة في المرة الواحدة، ولا يقل العدد عن (170) بيضة، وهي تضع بيضها أبيض اللون، ولا يصل طول البيضة إلى (1) ملم، وبعد وضع البيض بساعة واحدة أو ساعتين يتحول إلى اللون الأسود، وبعض البيض يتغير لونه حسب لون البيئة التي يوضع فيها، ويفقس بيض البعوض بعد وضعه بثلاثة أيام، وقد يتأخر إلى ثمانية أيام، فتخرج اليرقات، حيث تتغذّى على العوالق، واليرقة تتدلى من سطح الماء معلّقة بذيلها الذي هو أنبوب التنفّس، وتستمر في طور اليرقة اثني عشر يوماً، ثم تتحول إلى خادرة مائية (نائمة) لمدة أسبوع، ثم تخرج بعوضة كاملة وتطير في الهواء، وتستغرق هذه العملية من 9-14 يوماً في الماء الساكن، أما الماء الجاري فلا تبيض فيه أبداً.

تفاصيل كثيرة في رحلة حياة (البعوضة) تجعلنا نردّد (سبحان الله العظيم).

إشارة: