لا يزال حب الوطن والحنين إليه دأب الشرفاء منذ الأزل، وديدن المخلصين منذ القدم لا يجارون فيه، ولا يسأمون، جبلوا على ذلك وفطروا عليه فالوطن واحد والانتماء واضح والحب ظاهر والوصال مؤتلف جمع شملهم وضم الفتهم ونظم عقدهم ووصل نظامهم صدقوا مع أنفسهم ومع ربهم فرزقهم كرامة في الدنيا وأجرا في الآخر... |
لم يزل حب وطنه في نفوسهم ما عن نجم وما لاح بدر وما طلع فجر وما توالى عصران أو كر جديدان أو اختلف ملوان أو اصطحب فرقدان أو لاح نيران. |
جعلوا حب وطنهم سمير ذكرهم ونديم فكرهم وزاد سفرهم، حب لا يعد عليه صبر، ولا يستقل به صدر لا يرحل مقيمه ولا يصرف غريمه نار الشوق حشو ضلوعهم ودموع الحنين ملء جفونهم شروق يجور حكمه وينفذ سهمه شوق يكاد يكون لزاما ويعد غراما... |
وبعد فهذه بعض مقتطفات من كتاب (الوطن في ضمير الشرفاء) والذي قدمه لي كهدية قيمة اعتز بها مؤلفه أخي وصديقي الأستاذ بدر بن علي العبدالقادر والذي تحدث فيه بإسهاب عن الوطن وعن مكانته العظيمة وأن حب الوطن من الأمور التي جبلت عليها الفطر وتعلقت بها النفوس وأورد على ذلك أدلة من الكتاب والسنة تبين مدى مكانة الأوطان وعظيم التعلق والحنين الذي فطر عليه الإنسان تجاه وطنه الذي هو مهد الطفولة ومدارج الصبا ومغنى الشباب وسجل الذكريات وحينما يعيش الإنسان في وطن ما فإنه يألف أرضه وسماءه ويعشق سهوله وجباله ويرتبط بأشجاره وأحجاره - فالوطن له مكانته وفضله وتحبه القلوب وتأنس لذكراه النفوس وتستريح إلى البقاء فيه |
هذا هو الوطن المحبوب اذكره |
وما أنا بمجاف حب أوطاني |
فمن منا لا يحب وطنه؟! ومن منا لا يريد الخير والازدهار لوطنه؟! وكل خير يجده الإنسان إنما يكون في ثرى وطنه... والانتماء إلى الأرض أمر عُرف في الإسلام بل انه دعا إليه شريطة أن تكون تلك المحبة وذلك الانتماء في ضوء العقيدة الإسلامية لا يحاد عنها ولا تنتهك بدعوى العصبية الممقوتة لذا فإن الإخراج والنفي وحرمان الإنسان من بلده له بالغ الأثر على روح الإنسان ومعنوياته ونجد ذلك واضحا فيما قصه لنا القرآن من المنهجية التي انتهجها المشركون واستخدموها في حربهم مع الأنبياء وأتباعهم قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}بل قرن الله حب الأوطان بحب الدين والدفاع عنه والجمع بينهما دليل على تقارب مكانة كل منهما في الإسلام وفي النفس.. قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} |
وحب الوطن والحنين إليه، والتضحية في سبيله؛ شعور صادق، وعاطفة نبيلة ومشاعر جياشة؛ يتجلى الوفاء فيها بأبهى صوره وأنصع أشكاله؛ متى ما عبرنا عنها بعاطفة صادقة، ولهجة واثقة، وفكر نير، وعطاء لا يتوقف. ولكن لهذا الحب حدود!! يجب ألا نتجاوزها لأن فوق هذا الحب؛ حب آخر أولى منه وهو حب العقيدة فمتى تعارض حب الوطن مع الدين فيجب تقديم الأعلى وهو الدين يقول الله تعالى: |
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} |
الحنين للوطن ظاهرة إنسانية عامة، لا يستطيع المرء التخلي عنها مهما بلغ رقيه الحضاري، وتطوره المادي وسموه الروحي {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} |
لا تغترب عن وطن |
واذكر تصاريف النوى |
أما ترى الغصن إذا |
ما فارق الأصل ذوى |
هذه بعض المقتطفات والذي احتواها هذا الكتاب الصغير في حجمه الكبير في دلالته والتي سطر فيه مؤلفه من خلال مُذكرات قيمة حب الوطن والانتماء إليه مدعمة بالأدلة القرآنية والقصص النبوية والآثار المروية والأشعار العربية.. ختاماً شكراً للأستاذ بدر هذا الإهداء وبورك هذا الجمع.. وحقا شيئا لا يمكن المساومة فيهما العقيدة والوطن. |
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ....}فليس هناك عوض عن الأذية في سبيل الله والإخراج عن الأوطان إلا الجنة. |
|