الوقت من ذهب.. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. كلمات ومعانٍ نقولها ونرددها ولا نعمل بها. وفي كل بلاد العالم يقدرون ويعرفون قيمة الوقت ويحسبون يومهم بالدقيقة والثانية. وعندهم لا وقت لإضاعة الوقت فيما لا ينفع حتى احتساء الشاي والقهوة لهما مواعيد محددة، وأوقات معينة، فالعمل انضباط ولا صوت يعلو على صوت العمل، والوظيفة لها قدسيتها.
إن المؤسسات التي لا تقدر الوقت الآن ستعرف في الغد قيمة الوقت.. ذلك أن مؤسسات الأمس لم يكن لها تقييم للوقت أو مبادئ واضحة تعامله بها، وكانت تعمل بصورة عشوائية؛ لكن مؤسسات المستقبل ستستخدم مبادئ الوقت لتحصد النجاح.
ومن الضروري عدم إغفال التحدي الأخلاقي في مكان العمل، ومهما كان رئيس الجهاز فهو شخص قد يتمتع بأخلاقيات العمل، إلا أنه من المهم أن يكون منفذاًَ لمبادئ المصداقية، ومن المهم أيضاً أن تكون اللغة المستخدمة مباشرة وبسيطة ومن القلب.
وإن عدنا إلى الوقت فسنجد أنه في مفهومه العام هو الإجراءات التي نتخذها لحماية الإنجاز وحماية الإنسان في نفسه وماله وعِرضه، وبما يحقق لديه الإحساس بالثقة والاستقرار ونجاح العمل.
تلك رسالة ومسئولية ضخمة تتطلع لها الدول، الأمر الذي يجعل الوقت غاية تقرها متطلبات المرحلة والظروف الراهنة، وكذلك تحديات مستقبل الوطن.
ولعل الالتزام بمواعيد الدوام ليس هو بالحضور والانصراف وإنما فيما يتم إنجازه من عمل، لا سيما العمل الفكري والمرتبط بخدمة وتنمية المجتمع؛ فالمواطن له حقوق على الموظف والمدير وعلى رئيس مجلس الإدارة وعلى الوزير في كل منشأة حكومية أو خاصة.
أقولها من أسف.. هذا هو حال وأحوال كل الدنيا عدانا نحن العرب؛ ذلك أننا نتعامل مع الوقت لمعرفته فقط ليس إلا.. كم الساعة الآن؟ أين كنت ليلة البارحة أيها الشرير؟ يا أخي الاجتماع لاحقين عليهم دعني أقص لك ما حدث لي مع نائبي في إدارتي....!
متي يحين موعد الانصراف من العمل؟ سأذهب لشراء الثلج والعيش.. نذهب للعمل نقرأ الصحف ونشغل اللاب توب لنتابع مؤشر الأسهم.. نشرب الشاي حتى نفيق.. تسأل عن سعادة الرئيس يقال لديه مكالمة.. هو في اجتماع، ينتهي الاجتماع ليبدأ اجتماع آخر!!
حلقة مفرغة من اللامعقول.. واللامنطق.. وسلسلة طويلة لإهدار الوقت.. وقت الموظفين فيما لا ينفع ووقت المواطنين فيما يجلب لهم المرض والإحباط واللا أمل.. ونستغرب لماذا تأخرنا؟ ولماذا سبقنا الغرب والشرق وتجاوزانا بكثير؟!
نحن أصحاب الحضارة.. نحن أصحاب العقول التي غزت العالم في شتى المجالات.. والأكثر غرابة من ذلك كله أن العربي الذي يعمل في بلاد العجم وأمريكا هو الذي يعمل في بلاده؛ فهناك يعرف قيمة الوقت ويحترمه وينفذ العمل المطلوب منه في أقصر وقت ممكن، لأنه يعرف أن المحاسبة فورية ويعرف أن الشاي له موعد محدد. لو تحدثنا عن الاجتماعات في الغرب فسنجد أنها تعقد على الواقف فيما ينفع وليس أكثر ولا أقل. والمواطن على العين والرأس، طلباته المشروعة مجابة؛ فالموظف والمدير والرئيس في خدمته.
فهل من انتفاضة إدارية ترفع عنا غبار البيروقراطية والوقت المهدور عن كاهل جهازنا الإداري في مؤسساتنا؟!
وهنا تحضرني قصة صديقي القابع في الظل وهو ذلك الرجل المنظم لدرجة الإزعاج والمخلص والمبدع في عمله، لا يخطو خطوة واحدة إلا بحساب وقتها، وعندما عاد لبلاده من الخارج وجد أن إهدار الوقت هو السمة الغالبة لكل الناس وراح يردد قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (طوبى للغرباء.. الذين يصلحون عندما يفسد الناس)!
لم يتحمل المسكين.. فقال لزوجته بعدما شعر بالإحباط المدمر من الحال والأحوال (غطيني من رأسي إلى أخمص قدمي.. أقبريني يا رفيقة الأمس البعيد.. مستعيراً من الزعيم المصري سعد زغلول قولته الشهيرة (يا صفية غطيني وصوّتي.. مفيش فايدة)! هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الوقت، ولا يعلمون أن هناك علماً قائماً بذاته يسمى (إدارة الوقت) لا يعرفون سوى عبارة واحدة (راجعنا بكرة أو الأسبوع القادم) وتعاملهم البدائي وعدم مرونتهم مع مراجعي إداراتهم.. هؤلاء وجودهم أدى إلى ظهور هذه الاضطرابات التي تقف عائقاً في نجاح هذه الإدارات وبالتالي إلى تأخرها.. بل يصل الأمر أحياناً إلى انهيارها وإغلاقها بينما نجد في إدارات الدول المتقدمة وبعض المصالح في عالمنا العربي بوجه عام - لكي لا نظلم المجتهد - هناك موظفين من ذوي القدرات ساعدهم الحظ لكي ينطبق عليهم القانون الذي يسمى (الرجل المناسب في المكان المناسب).
فهذه الركيزة القوية لإداراتهم والأساس المتين أدى إلى نجاح هذه الإدارات وشهرتها، وبالتالي بقائها راسخة إلى اليوم.
أننا نأمل أن تتحسن أوضاع إداراتنا، وأن نفتح المجال واسعاً أمام الكفاءات الخبيرة والمؤهلة علمياً، وأن يكون شعارها الأوحد (أنت بما تعرف.. لا بمن تعرف).
samialmehana@hotmail.com