ريم فتاة لم تتجاوز الثلاث سنوات
طاهرة ٌ كالثلج...نقيةٌ كماء السحاب
رقيقةٌ كرذاذ المطر.. تفيض براءة ونقاء
علمها والدها أن تقول دائما (نعم)!
(نعم) له.. (نعم) لأقرانها..
(نعم) للكل.... وللأسف (لا) لرغباتها... (لا) لنفسها!
جربت ذات يوم أن تقول (لا)!
فضربها (الجاهل) وأمطر (البريئة) بسياط الحرمان, وانهال عليها بسهام التوبيخ!
سلب منها إرادتها... وشوه هويتها
حُرمت من حقها في الغضب.. أو حتى المطالبة بأقل بحقوقها
كبُرت وكبُرت ال(نعم) القبيحة
ومعها تضخمت ال(لا) في أعماقها
(لا) لراحتها (لا) لمشاعرها (لا) لكيانها..
إذا استُغضبت لم تغضب.. وإذا ضُربت لم تدافع عن نفسها
انتزعت منها عرائسها فلم تحرك ساكنا
أخذوا مصروفها.. بل وتحرشوا بها
تعاظمت الإهاناتُ وتنوعت فنون الإذلال
ومع رياحِ القهر تلك كانت تكتفي بآهات وصرخات تتفجر من أعماقها!
الكل في المقدمة في حياتها.. الكل الأهم.. الكل الأفضل
وهي دائما في المؤخرة وهي الأقل قدرا ومكانة
نشأت ذليلة منقادة..روحاً منكسرة وقلباً باكياً
ظللت وجنتيها الوردتين سحابةٌ معتمة من الألم
كلما صعدت زفرةٌ من أعماقها أسكنتها
وكلما ترقرقت دمعةٌ من أحداقها ردتها
يتراءى دائماً أمامها (والدها) ونصائحه
وهو لاشك أعرف وأدرى وأفهم منها!
لقد قطع لسانها فلم تعد تشكو مرارة ما تذوق!
وبتر يدها فلم تقوَ الدفاع عن نفسها!
لقد فرق بينها وبين الكرامة والعزة (سامحه الله)!
ومع كل لحظة تهم بقول (لا) تسترجع تلك الصفعات المؤلمة والركلات الموجعة
فيهتك الخوفُ حجاب قلبها ويشق الرعبُ أستار صدرها
كبرت وكبرت (نعم) معها، ومعها كبر الذلُ والصغار
كم ناجت نفسها قائلة: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً
هاجرت (لا) الشجاعة واستوطنت (نعم) القهر والخنوع
أضحت (المسكينة) تسير في مراكب من تعب وأشرعة من ألم ووجع ترملت الأماني في عينيها ويتُمت الأحلام في حياتها
كبرت وكبر الجرح معها..
كان الجميع ُ يحبها... لكن لا يحترمها!
في إحدى ليالي الشتاء البارد.. وبعد أن هجم الظلام بأجنحته المعتمة على الكون
والكونُ بأسره قد غط في نوم عميق..
وبينما كان المطرُ يغسل طرقات المدينة.. كان الدمعُ يحفر خطوطا عميقة على خديها
كانت ساهرة على ضوء القمر.. واجمة حزينة..
شاردة اللب... ذاهلة العقل
وفي لحظة استجمعت فيها قوتها.. واستنهضت ذلك العملاق القاعد
وأيقظت ال(لا) النائمة
قررت أن تتسلح ب (لا) ومحاربة ال(نعم) الجائرة
قررت أن تعبر عن رأيها وأن تحبَ نفسها أولا!
وبعد تلك المسافات الطويلة والرحلة المضنية
ورفت عليها ظلالُ الأمان وأمطرت في حياتها سحائبُ الراحة
ما أظلم بعض الآباء وما أقسى قلوبهم!
فهم أغلظ أكباداً من الإبل وقلوبهم أقسى من الحديد
ينام ملء جفنيه وقد حطم قلوبَ صغاره وأشعل النيران في أعماقهم
أيها الآباء لا تحطموا القلوب النابضة
ولا تفتتوا تلك الأكباد الطرية
علموهم معاني العزة والكرامة
لا تجرحوا الورد ولا تقلموا مخالب الصقر
علموهم أن يقولوا (لا) في وقتها
أن يرفضوا متى شاؤوا ويقبلوا متى شاؤوا
مادام هذا في مربع (الذوق والرأي) دون الثوابت فهي لا تخضع للآراء والأمزجة
(لا) لطعام لا يشتهى.. (لا) للبس لا يرغب به
(لا) لطفل لا يستلطف.. (لا) للعبة لا تعجبه
عودوهم أن يعبروا عن مشاعرهم
ربوهم تربية القادة الشرفاء لا تربية العبيد الأذلاء.
ومضة قلم
ليس المهم أن نولد أشرافاً ولكن المهم أن نحيا أشرافاً
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244
khalids225@hotmail.com