حاولت العروس أن تستيقظ ذات صباح ولكنها لم تفعل فقد استغرقت في سبات عميق. يأتي خطابها كل يوم يطرقون بابها ولكن العذر دائماً أنها نائمة فليس هناك ما يشجع على الاستيقاظ، فاليوم كالأمس والغد. ومن هذا الشعور باليأس مرضت العروس وتحول نومها إلى غيبوبة دائمة. وأصبحت تنتظر الرحمة الإلهية فقد وصلت إلى مرحلة الخطر وبدأ القلق والحزن يبدو على أهلها ويكثرون من الدعاء لها بالشفاء دون كلل أو ملل، وذلك لأنهم مسلمون ويعلمون أنه بعد الضيق يأتي الفرج.
ولاح في الأفق الأمل ليأتي اليسر بعد العسر. ويتراءى لهم مقدم الطبيب بلباسه الأبيض يخطو بوقار وقد حمل معه حكمة السنين التي ورثها أبا عن جد ومن عمل طويل. يعرف كيف يشخص المرض ويختار الدواء المناسب ولا يعجز أمام أي مرض صنعته الأقدار.
لقد بانت ملامحه تتضح أمام الأهل وعرفوه ففاضت الأنفس فرحاً بمقدمه واستبشروا الخير الكثير فهم يعرفونه وقد سبقه إليهم صيته.
تصارعت الأفكار في تعريف شخصه هل نناديه بأمير الإبداع والشعر أم أمير الإدارة والحكمة. إنه يداوي القلوب قبل النفوس، ولا يعرف المستحيل مع الحكمة، ولا يعرف الفشل مع الإدارة الناجحة.
لقد قدم إليهم خالد الفيصل وهو يحمل في جعبته الدواء، وسأل الأهل عن اسم العروس فقالوا له اسمها جدة فقال لا تجزعوا ولكن اتركوني قليلاً معها لأفحصها بدقة حتى أجد ما يناسبها. واستطرد قائلاً والابتسامة على محياه: لقد صادفت مثل هذه الحالة.
وصف لها العلاج وأصر أن يلازمها حتى تعود إليها الصحة وتعود في حلة جميلة تتمايل وتتبختر ورائحة عبقها تأسر كل من يقترب منها ويعود خطابها إليها يطرقون بابها من جديد. ولا ضير إن كثروا وتراصوا على بابها فهي لا تختار إلا من يبقيها حية وشابة جميلة دائماً ويغدق عليها ما تستحقه من الدلال، ويسمعها أجمل الكلام قبل أن تنام. هذه قصة عروس تعيش على ضفاف البحر الأحمر. رواها الكثير من زار أهلها.
لقد عانت الأمرين وقسوة أهلها والزمن عليها. فأهلها تجار وبحارة مزجوا بين القسوة والتجارة. فلا تجد لها شاطئاً يحتضن زوارها ولا تجد لها رائحة تجذب عشقها ولا تجد لها أرضاً تسلم من غدر مياهها.