من منا لاحظ نفسه أمام المرآة في غرفة النوم عندما يكون لوحده أو في دورة المياه أعزكم الله أو عندما يكون أمام مسؤول أو تاجر ذو شأن وحاول أن يراجع تلك اللحظات بمخيلته أو بتسجيل مصور من كمرة خفية سوف يظن أنه مريض نفسي ويحتاج الى عدة جلسات لإعادة توازنه النفسي وإعادة الثقة بها، نعم لا يمر علينا يوم إلا تقمصنا أكثر من شخصية في تعاملنا اليومي فشخصية مع الزوجة وشخصية مع الأبناء وشخصية مع الوالدين وشخصية مع الأصدقاء وشخصية مع زملاء العمل والمراجعين وشخصية مع الجيران وشخصية مع جماعة المسجد وشخصية أمام المرأة.. فكل شخصية لا تعرف الأخرى وتختلف عنها البتة.. حيث لا تعرف الزوجة عن زوجها سوى ذلك الشخص التقي الصادق المشغول المبدع صاحب الخبرة في التربية والمدرك لجميع ما يدور من حوله المظلوم من مرؤوسيه في عمله أو المحبوب منهم... وكذلك الأبناء يرون أن والدهم الذي لا يكذب ولا يأكل الحرام يعتمد عليه مديره بكل صغيرة وكبيرة وهو نفسه له شخصية أخرى مع أصدقائه يتعامل معهم بشفافية وكل تجرد خلاف التعامل مع الناس الآخرين وكثيراً ما نتفاجأ بشخصية الجار المتسامح اللبق مع أصدقائه المتعاطي مع جاره وجماعة مسجده بكل محبة وهو نفسه الذي صراخه على زوجته وأبنائه يسمع في الشارع من الشدة والغلظة عليهم وبعض الناس من يتقمص شخصية البار بوالديه عند أصدقائه وزملاء العمل وأولاده ولكن البر عنه براء فهو قاطع للرحم غير مبال بوالديه وعلى شاكلة هذه الشخصية من يدعي التعامل الحسن مع الجنس الثاني من أقاربه وهو رجل فظ غليظ على زوجته، وهناك من يظهر بالشخصية النظيفة والمنظمة خارج المنزل ويستكثر على زوجته لبس جلابية نظيفة او تسريح شعره او تفريش أسنانه.. وهناك من الشخصيات من يدعي المعاملة الأخوية والكرم مع الآخرين بعيداً عن التسلط، ولكن هو عكس ذلك تماما مع أسرته حيث لا يستمع لهم ويقسو عليهم بأشد الألفاظ ويصاحب ذلك الطامة الكبرى وعدو النساء البخل ولا ننسى من يتشدق بالوطنية وهو مهمل لواجباته الوظيفية ويهدر الماء ويسيء للمرافق العامة ويرمي النفايات في الشارع دون أي مسؤولية كل منا يسأل نفسه هل نحن نعاني من تعدد او ازدواجية الشخصية حيث يلقي البعض اللوم في ذلك على ثقافتنا الانتقائية والضغوط الاجتماعية أو بشكل عام على طبيعة التنشئة الاجتماعية كل ذلك يصب في شخصية أقرب ما يطلق عليها انها شخصية غير متزنة تعاني ارهاصات اجتماعية ونفسية تلاحظها عندما يكون الشخص أمام مرآة الغرفة او دورة المياه او في السيارة لوحده حيث يفرغ السلوكيات غير المرغوبة بتحريك جسمه وتقاسم وجهه في أشكال غريبة ومضحكة لا يستطيع إبداءها لأي شخص.. كما يقوم بعض الأشخاص بالغناء والخطابة والصراخ أثناء القيادة، ويعتقد أن صوته قد سقط من بين مشاهير الخطباء والمطربين حتى يصل الأمر بالقول: إن كثيراً من الشخصيات من الجنسين خارج المنزل استاذ للطف والتعامل وعكس ذلك داخل المنزل وكأن هناك شخصيات متبادلة بين النرجسية تلك الشخصية التي تتلذذ بإيذائها أو السادية تلك الشخصية التي تتلذذ بإيذاء الآخرين، ومن وجهة نظري ان التعدد للشخصية والفروق الواضحة بينها في مجتمعنا الى أساليب التنشئة الاجتماعية المختلفة التي يتدخل فيها أفراد الأسرة مع اختلاف مفاهيمهم التربوية إضافة الى ارهاصات المجتمع الذي يجبرك بأن تجعل في كل موقف شخصية مختلفة عن الأخرى على الرغم من عدم قناعتك وذلك بسبب عدم معرفة حدود نظرية (لا) ونظرية (نعم) فنحن لا نشكل شخصياتنا فمجتمعنا من يشكلها بشكل جبري غير قابل للاختبار والحوار وكل ما نتعلمه من النظريات المختلفة المتعلقة بالتربية لم ننظر إليها بشكل جاد رغم ان معظم الدول المتقدمة تسبقنا بمراحل بما يخص التعامل وتقارب شخصياتهم الاجتماعية فشخصياتهم ليست غامضة، ولا تتفاجأ بفروق فجة عند الفرد مثلما يحصل في مجتمعنا لذا فإن من الضروري أن نعي كلمة متى يستخدم ابناؤنا كلمة (لا) وكلمة (نعم) لغة الحوار لوضع حدود للمجاملة المطلوبة التي لا يجب أن تكون على حساب صحتنا النفسية.
Drdhobaib@hotmail.com