Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/06/2008 G Issue 13048
الخميس 15 جمادىالآخرة 1429   العدد  13048

الدبلوماسية العراقية بين هارفارد والطب البيطري!
عبد الإله بن سعود السعدون

 

المشهد العراقي الحالي أصبح مركزاً لكل المتناقضات وفي كافة المجالات الحياتية حيث طغت على السطح الاجتماعي طبقات غير متجانسة اقتصادياً وثقافياً بل تحول المجتمع العراقي بأكمله نحو ثقافة جديدة تعتمد في كل مدرجات هرمه على ما يسمى بالمحاصصة الحزبية والعرقية الاثنية وامتد هذا الوباء القاتل حتى أدرك المجتمع الدبلوماسي العراقي والذي كان مميزاً في الحكم الملكي بطبقة راقية من الخبرة والتعليم العالي وبرزت أسماء تركت وراءها بصمات خالدة من النجاح الدبلوماسي والتجربة العالية المتراكمة التي جنبت الدولة العراقية الكثير من الأزمات الدولية.

ومن الأسماء العالقة في الذاكرة في هذه النخبة الدبلوماسية السفراء؛ نجيب الراوي، وعلي الخضيري، وإبراهيم أيوبي، وأمين المميز، وعدنان الباجه جي، ويوسف الكيلاني وغيرهم الكثير.

ودار أخطبوط المؤسسات العسكرية التي توالت على السلطة في بغداد لتقديم طبقة بعيدة كل البعد عن الحياة الدبلوماسية ولا لهم أدنى ثقافة أو خبرة في علوم العلاقات الدولية بل مجموعة من الضباط العسكريين نصفهم، كانت السفارة كإبعاد دبلوماسي عن ساحة الحكم والنصف الآخر مكافأة لأعمال وخدمات خاصة لبعض الأعوان من العسكريين بتعينهم في هذا المجال الحساس الذي تحول بأكمله في العهد السابق كشبكة عنكبوت للأعمال الاستخباراتية التي تراقب وتحبس كل صوت معارض للحكم في بغداد ولطيلة أربعين عاماً.

وحين سقوط بغداد في التاسع من ابريل 2003 بدخول القوات الانكلو - أمريكية حرست هذه القوات الغازية وزارتي الخارجية والبترول لأهمية الوثائق الرسمية بالنسبة لهم أما جميع الوزارات الأخرى والمؤسسات الحكومية فتعرضت للنهب والسلب وبطريقة وحشية وصلت إلى خلع الأبواب وسرقة حاضنات الأطفال وتشريد المرضى النفسيين في الشوارع بعد نهب محتويات تلك المستشفيات.

واعتقد الكثيرون بأن الوزارة البناية تحوي موظيفيها في الخارجية والبترول ولكنها بنفس قوة ووحشية النهب والسلب والتفريغ الذي تعرضت له باقي الوزارات تعرضت هاتين الوزارتين من محتواهما الوظيفي فتسرح أكثرهم بسلطة قانون اجتثاث البعث والقسم المتبقي الآخر بالإحلال الوظيفي الجديد من أتباع الأحزاب المذهبية والعرقية، فهذه الوكالة من حصة الحزب الفلاني والأخرى مع ديوان الوزارة من اختصاص الإخوة الفيدراليين الأكراد!

ومن أجل ملئ الشواغر الحالية في مراتب السفراء في الخارج قدمت الأحزاب السياسية والكتل النيابية من داخل ما يسمى (العملية السياسية) قائمة تشمل ثمانية وثلاثين اسماً لملء هذه المناصب الممتازة كسفراء جدد للعراق الجديد في مراكز أوروبية وعربية لا زالت تنتظر تشريف هؤلاء السفراء وتشكلت لجنة اختيار ومقابلة لهذه الأسماء المرشحة من كوادر الوزارة برئاسة السفير الدكتور محمد الحاج حمود وكيل الوزارة للشؤون الإدارية وبرزت المفاجئة المذهلة لهذه اللجنة الوزارية أن ستة من المرشحين (أطباء بيطريين) ولا نقص أبداً في هذه المهنة الإنسانية ولكن مجالها لا يمكن أن يكون متناسقاً مع العمل الدبلوماسي واثنين آخرين من أصحاب العمم البيضاء ويحملون مؤهلاً فريداً من المدرسة الحوزية في النجف ومرشحين من حزب مذهبي يدير الدفة السياسية والعسكرية في العراق الجديد.. وسأل الدكتور محمد الحاج حمود رئيس اللجنة أحد هؤلاء المعممين عن انقلاب 14 تموز فأجاب المرشحان لمنصب السفير فوق العادة انهم لم يسمعا إلى الآن بهذا الانقلاب، وأردفا قائلين بأن هذه إشاعة مغرضة يطلقها الصدامون والإرهابيون لتهديد الوزارة المنتخبة فضحك رئيس اللجنة لوحده لأن الاعضاء الآخرين ينتمون لنفس الحزب المرشح لهذين السفيرين وفوق العادة!

وتم ترشيح أحد الأطباء البيرطيين لإشغال منصب السفير لدى مملكة هولندا لمتابعة صفقة الأبقار المطلوبة لهيئة الألبان العراقية وبهذا يكون البيطري - المناسب للسفارة المناسبة!

لا ينكر أحد للتكنوقراط العراقي في الداخل وفي المهجر درجاته العلمية والعملية العليا في جميع الاختصاصات، ففي الجامعات الأمريكية والأوروبية هارفارد واكسفورد ولدى المنظمات الدولية العديد من الأساتذة الكبار والمختصين في علوم القانون الدولي العام والخاص والدبلوماسية الحديثة والعلاقات الدولية ولكنهم مهمشين لعدم انتساباتهم الحزبية المهذبية والعرقية ولم تشملهم هذه القائمة الدبلوماسية العراقية الجديدة حتى بلغت الحساسية المذهبية المقيتة لأحد أعضاء اللجنة الدبلوماسية لاختيار السفراء الجدد الإصرار باستبعاد أحد المتقدمين من ديوان الوزارة بحكم الترفيع لمنصب السفير بعد أن أمضى عشرة أعوام بمنصب قائم بالأعمال ويحمل شهادة الدكتوراه بالعلاقات الدولية من جامعة موسكو واستبعد لأن أفكاره لا تؤمن بالمرجعية المذهبية ولا يحمل مستنداً يزكيه حزبياً ومن الأقليات الدينية التي لا تتبنى أفكار العملية السياسية للعراق الجديد من الديمقراطية والحرية والتعددية الممزوجة بالدم والبارود!

إنها نصيحة مجانية (غير دبلوماسية) لكل الدول الخليجية الراغبة (حالياً) بالعودة إلى سفاراتهم إن وحدت حتى بناياتها، أن لا ينسوا أو يغفلوا تعيين مترجم لسعادة السفير يجيد الكردية والعربية وإلا فليجؤوا للغة الإشارات في ديوان وزارة الخارجية العراقية وفي ثوبها الجديد! ورحم الله الشاعر الذي قال:

إن كنت تدري فتلك مصيبة

وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظمُ

محلل إعلامي - عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد